حيث أغرق فرعون فأدخل النار مكافأة على دعوى الإلهية لنفسه ، وأحرق العجل ، ثم نسف في اليم مكافأة على إثبات الإلهية له ، وما كان للنار والماء على الحنفاء يد الاستيلاء (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (١). (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) (٢).
هذه مراتب الشرك في الفعل والخلق.
ويشبه أن يكون دعوى اللعينين : نمرود ، وفرعون أنهما إلهان أرضيان كالآلهة السماوية الروحانية. دعوى الإلهية من حيث الأمر ، لا من حيث الفعل والخلق ، وإلا ففي زمان كل واحد منهما من هو أكبر منه سنا ، وأقدم في الوجود عليه ، فلما ظهر من دعواهما أن الأمر كله لهما ، فقد ادعيا الإلهية لنفسهما.
وهذا هو الشرك الذي ألزمه المتكلم على الصابئ. فإنه لما ادعى أنه أثبت في الأشخاص ما يقضي به حاجة الخلق ، فقد عاد بالتقدير إلى صنعته ، ووقف بالتدبير إلى معاملته ، فكان الأمر بأن هذا الفعل واجب الإقدام عليه ، وهذا واجب الإحجام عنه ، أمرا في مقابلة أمر الباري تعالى. والمتوسط فيه متوسط الأمر ، وكان شركا إذ لم ينزل الله به سلطانا ، ولا أقام عليه حجة وبرهانا.
كيف وما يتمسك به من الأحكام مرتبة على هيئات فلكية لم تبلغ قوة البشر قط إلى مراعاتها؟ ولا يشك أن الفلك كله يتغير لحظة فلحظة بتغير جزء من أجزائه تغير الوضع والهيئة ، بحيث لم يكن على تلك الهيئة فيما سبق ، ولا يرجع إلى تلك الحالة فيما يستقبل ، ومتى يقف الحاكم على تغيرات الأوضاع حتى تكون صنعته في الأشخاص والأصنام مستقيمة ، وإذا لم تستقم الصنعة فكيف تكون الحاجة مقضية ، ومن رفع الحاجة إلى من لا ترفع الحوائج (٣) إليه فقد أشرك كل الشرك.
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ٦٩.
(٢) سورة القصص : الآية ٧.
(٣) وفي درّة الغواص ، ويقولون في جمع حاجة حوائج فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله :
فسيان بيت العنكبوت وجوسق |
|
رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج |
والصواب أن يجمع على حاجات في أقل العدد ، وفي أكثره على حاج مثل هام وواحدته هامة.