الصانع أقدر ، إذ فيه من القوة العلمية والعملية ما يستعمل به الهياكل العلوية ، ويستخدم الأشخاص الروحانية. فهلا ادعى لنفسه ما يثبت بفعله في جماد؟؟.
ولهذا الإلزام تفطن اللعين فرعون حيث ادعى الإلهية والربوبية لنفسه ، وكان في الأصل على مذهب الصابئة فصبا عن ذلك ودعا إلى نفسه فقال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١) (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٢) إذ رأى في نفسه قوة الاستعمال والاستخدام ، واستظهر بوزيره «هامان» وكان صاحب الصنعة. فقال : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ* فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) (٣) وكان يريد أن يبني صرحا مثل الرصد فيبلغ به إلى حركات الأفلاك والكواكب ، وكيفية تركيبها ، وهيئاتها ، وكمية أدوارها وأكوارها ، فلربما يطلع على سر التقدير في الصنعة ، ومآل الأمر في الخلقة والفطرة ، ومن أين له هذه القوة والبصيرة؟ ولكن اعتزاز بنوع فطنة وكياسة في جبلته ، واغترار بضرب إهمال في مهلته. فما تمت لهم الصنعة حتى (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٤).
* * *
فحدث بعده السامري وقد نسج على منواله في الصنعة حتى أخذ قبضة من أثر الروحاني وأراد أن يرقى الشخص الجمادي عن درجته إلى درجة الحيواني (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) (٥) وما أمكنه أن يحدث فيه ما هو أخص أوصاف المتوسط من الكلام والهداية (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) (٦) فانحسر في الطريق حتى كان من الأمر ما كان ، وقيل : (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) (٧).
ويا عجبا من هذا السر!.
__________________
(١) سورة النازعات : الآية ٢٤.
(٢) سورة القصص : الآية ٣٨.
(٣) سورة غافر : الآيتان ٣٦ و ٣٧.
(٤) سورة نوح : الآية ٢٥.
(٥) سورة طه : الآية ٨٨.
(٦) سورة الأعراف : الآية ١٤٨.
(٧) سورة طه : الآية ٩٧.