فالأنبياء عليهمالسلام متوسطون في تقرير سنّة الأمر. والملائكة متوسطون في تقرير سنّة الخلق والأمر أشرف من الخلق. فمتوسط الأمر أشرف من متوسط الخلق ، فالأنبياء عليهمالسلام أفضل من الملائكة.
وهذا عجب حيث صارت الروحانيات الأمرية متوسطات في الخلق ، وصارت الأشخاص الخلقية متوسطين في الأمر ، ليعلم أن الشرف والكمال في التركيب لا في البساطة ، واليد للجسماني لا للروحاني ، والتوجه إلى التراب أولى من التوجه إلى السماء ، والسجود لآدم عليهالسلام أفضل من التسبيح والتهليل والتقديس.
وليعلم أن الكمال في إثبات الرجال ، لا في تعيين الهياكل والظلال ، وأنهم هم الآخرون وجودا ، السابقون فضلا ، وأن آخر العمل أول الفكرة ، وأن الفطرة لمن له الحجة ، وأن المخلوق بيديه لا يكون كالمكون بحرفيه ، قال عزوجل : (فو عزّتي وجلالي لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له كن فكان) (١).
قالت الصابئة :
الروحانيات مبادي الموجودات (٢) ، وعالمها معاد الأرواح ، والمبادي أشرف ذاتا وأسبق وجودا ، وأعلى رتبة ودرجة من سائر الموجودات التي حصلت بتوسطها. وكذلك عالمها عالم المعاد والمعاد كمال ، فعالمها عالم الكمال.
فالمبدأ منها ، والمعاد إليها ، والمصدر عنها ، والمرجع إليها بخلاف الجسمانيات ، وأيضا فإن الأرواح إنما نزلت من عالمها حتى اتصلت بالأبدان ، فتوسخت بأوضار الأجسام ، ثم تطهرت عنها بالأخلاق الزكية ، والأعمال المرضية ،
__________________
(١) من الأحاديث القدسية.
(٢) قالوا : الروحانيات الفلكية مبادي لروحانيات هذا العالم ، والمبدأ أشرف من ذي المبدأ لأن كل كمال يحصل لذي المبدأ فهو مستفاد من المبدأ والمستفيد أقل حالا من الواهب ، وأيضا فإن الأرواح إنما نزلت من عالمها حتى اتصلت بالأبدان فتوشحت بأوضار الأجسام ثم تطهرت عنها بالأخلاق الزكية والأعمال المرضية حتى انفصلت عنها فصعدت إلى عالمها الأول فالنزول هو النشأة الأولى والصعود هو النشأة الأخرى ، فعرف أن الروحانيات أشرف من الأشخاص البشرية.