أفعالها وحركاتها حتى يراعي أحوال الهياكل ، وحركات أفلاكها زمانا ومكانا ، وجوهرا وهيئة ، ولباسا ، وبخورا ، وتعزيما ، وتنجيما ، ودعاء ، وحاجة خاصة بكل هيكل فيكون تقربا إلى الهيكل : تقربا إلى الروحاني الخاص به ، فيكون تقربا إلى رب الأرباب ، ومسبب الأسباب حتى يقضي حاجته ، ويتم مسألته.
وسيأتي تفصيل ما أجملوه من أمر الهياكل عند ذكر أصحابها إن شاء الله تعالى.
أجابت الحنفاء :
بأن قالوا : الآن نزلتم عن نيابة الروحانيات الصرفة إلى نيابة هياكلها ، وتركتم مذهب الصبوة الصرفة. فإن الهياكل أشخاص الروحانيين ، والأشخاص هياكل الربانيين غير أنكم أثبتم لكل روحاني هيكلا خاصا ، له فعل خاص لا يشاركه فيه غيره.
ونحن نثبت أشخاصا رسلا كراما ، تقع أوضاعهم وأشخاصهم في مقابلة كل الكون : الروحاني منهم في مقابلة الروحاني منها ، والأشخاص منهم في مقابلة الهياكل منها ، وحركاتهم في مقابلة حركات جميع الكواكب والأفلاك ، وشرائعهم مراعاة حركات استندت إلى تأييد إلهي ، ووحي سماوي ، موزونة بميزان العدل ، مقدرة على مقادير الكتاب الأول (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (١) ليست مستخرجة بالآراء المظلمة ، ولا مستنبطة بالظنون الكاذبة ، إن طابقتها على المعقولات تطابقتا ، وإن وافقتها بالمحسوسات توفقتا.
كيف ونحن ندعي أن الدين الإلهي هو الموجود الأول ، والكائنات تقدرت عليه ، وأن المناهج التقديرية هي الأقدم. ثم المسالك الخلقية والسنن الطبيعية توجهت إلينا ولله تعالى سنتان في خلقه وأمره. والسنّة الأمرية أقدم وأسبق من السنّة الخلقية ، وقد أطلع خواصّ عباده من البشر على السنّتين (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (٢) هذا من جهة الخلق (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) (٣) هذا من جهة الأمر.
__________________
(١) سورة الحديد : الآية ٢٥.
(٢) (٣) سورة فاطر : الآية ٤٣ ، وتلاوتها : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً* وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).