وقال القلمس (١) بن أمية الكناني يخطب العرب بفناء مكة : أطيعوني ترشدوا. قالوا : وما ذاك؟ قال : إنكم قد تفرقتم بآلهة شتى ، وإني لأعلم ما الله راض به ، وإن الله رب هذه الآلهة ، وإنه ليحب أن يعبد وحده.
قال : فتفرقت عنه العرب حين قال ذلك ، وتجنبت عنه طائفة أخرى ، وزعمت أنه على دين بني تميم.
قال : وكانوا يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم. قال الأفوه (٢) الأودي :
ألا عللاني واعلما أنّني غرر (٣) |
|
فما قلت ينجيني الشّقاق ولا الحذر |
وما قلت يجديني ثيابي إذا بدت |
|
مفاصل أوصالي وقد شخص البصر |
وجاءوا بماء بارد يغسلونني |
|
فيا لك من غسل سيتبعه كبر (٤) |
قال : وكانوا يكفنون موتاهم ويصلون عليهم ، وكانت صلاتهم إذا مات الرجل حمل على سريره ، ثم يقوم وليه فيذكر محاسنه كلها ، ويثني عليه ثم يدفن ؛ ثم يقول : عليك رحمة الله وبركاته.
__________________
(١) القلمس بن أمية الكناني : هو آخر من نسأ الشهور في الجاهلية والنسء في اللغة التأخير. وكانت العرب تؤخر أياما من كل سنة ليكون حجها في وقت واحد ، ثم اعتادت أن تنسأ بعض الشهور ليحل لها القتال في الأشهر الحرم. وكان النسء يعلن أيام اجتماع الحجيج في (منى) ، وقد تولى إعلانه القلمس وراثة عن أبيه ، وأبوه عن جده ، واستمر نحو أربعين سنة. وظهر الإسلام فأبطل ذلك ، ويقال : كان اسمه (جنادة) والقلمس لقبه ، ومعناه السيد أو الداهية البعيد الغور يلقب به كل من تولى نسء الشهور. وهو من الخطباء الوعاظ قبل الإسلام. كان يخطب بفناء الكعبة وكانت العرب لا تصدر عن مواسمها حتى يعظها ويوصيها. (راجع تفسير القرطبي ٨ : ١٣٧ والتاج في مادتي نسأ وقلس).
(٢) الأفوه الأودي : هو صلاءة بن عمرو بن مالك من بني أود من مذحج ، شاعر يماني جاهلي ، يكنى أبا ربيعة ، وهو أحد الحكماء والشعراء في عصره. أشهر شعره أبياته التي منها :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم |
|
ولا سراة إذا جهالهم سادوا |
متوفى نحو ٥٠ ق. ه / ٥٧٠ م. (راجع الشعر والشعراء ٥٩ وشعراء النصرانية ص ٧٠).
(٣) الغرر : الهالك.
(٤) وفي نسخة «ستتبعه غير» وفي نسخة أخرى «سيتبعه غبر».