ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة» إلى أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه لم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب في ذلك ، ففكر وقال : والله إن وراء هذه الدار دارا يجزى فيها المحسن بإحسان، ويعاقب فيها المسيء بإساءته.
ومما يدل على إثباته المبدإ والمعاد أنه كان يضرب بالقداح (١) على ابنه عبد الله ويقول:
يا ربّ أنت المليك المحمود |
|
وأنت ربّي المبدئ والمعيد |
من عندك الطّارف والتّليد (٢) |
ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبو طالب ابنه أن يحضر المصطفى محمداصلىاللهعليهوسلم. فأحضره وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه ، واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال : «يا رب : بحق هذا الغلام» ورماه ثانيا وثالثا. وكان يقول بحق هذا الغلام أسقنا غيثا مغيثا دائما هطلا. فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد. وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال (٣) اليتامى عصمة للأرامل |
يطيف به الهلّاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في نعمة وفواضل |
كذبتم وربّ البيت نبزي محمدا (٤) |
|
ولمّا نطاعن دونه ونناضل |
__________________
(١) فقد روي أن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله أن سهل الأمر بها أن ينحر بعض ولده ، كما قيل إنه نذر لئن أتاه الله عشرة من الذكور ليجعلن أحدهم لله ، فلما صاروا عشرة وحفر زمزم أمر في النوم بالوفاء بنذره فضرب القداح على أولاده بعد أن جمعهم وأخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء وأطاعوه ، فكتب اسم كل واحد على قدح ، ودفعت تلك القداح للسادن والقائم بخدمة هبل ، وضرب بها فخرجت على عبد الله وكان أصغر ولده.
(٢) الطارف والتليد : المال المكتسب حديثا وقديما.
(٣) الثمال : الذي يعين قومه ويغيثهم.
(٤) وفي نسخة : «كذبتم وبيت الله يبري محمدا» وفي نسخة «نبزي». ـ