المادية ، منزه عن العوارض الغريبة ، فهو معقول لذاته ، ليس يحتاج إلى عمل يعمل به بعده فيعقله ما من شأنه أن يعقله (١) فلا مثال له يتمثل في العقل ، ولا ماهية له فيجرد له ، ولا وصول إليه بالإحاطة والفكرة ، إلا أن البرهان يدلنا عليه ويرشدنا إليه.
وكثيرا ما يلاحظ العقل الإنساني عالم العقل الفعال فيرتسم فيه من الصور المجردة المعقولة ارتساما بريئا عن العلائق المادية والعوارض الغريبة ، فيبتدر الخيال إلى تمثله ، فيمثله في صورة خيالية مما يناسب عالم الحس ، فينحدر إلى الحس المشترك ذلك المثال ، فيبصره كأنه يراه معاينا مشاهدا يناجيه ويشاهده حتى كأن العقل عمل بالمعقول عملا جعله محسوسا ، وذلك إنما يكون عند اشتغال الحواس كلها عن أشغالها ، وسكون المشاعر عن حركاتها في النوم للجماعة ، وفي اليقظة للأبرار.
يا عجبا كل العجب من تركيب على هذا النمط!! فمن أين لغيره مثله؟؟.
ونعود إلى ترتيب القوى ، وتعيين محالها.
أما القوى المتعلقة بالبدن التي ذكرناها آلات ومشاعر للجوهر الإنساني :
فالأولى منها : الحس المشترك المعروف ببنطاسيا (٢) الذي هو مجمع الحواس ، ومورد المحسوسات ، وآلتها الروح (٣) المصبوب في مبادي عصب الحس ، لا سيما في مقدم الدماغ.
__________________
ـ ولأن الصورة المحسوسة منتزعة نزعا ناقصا مشروطا بحضور المادة ، والخيالية منتزعة نزعا أكثر لكنه غير تام والعقلية منتزعة نزعا تاما. والغواشي الغريبة عن الماهية ، هي جميع العوارض المفارقة ، ولوازم الوجود والماهية ولوازم الماهية كالزوجية للإثنين لا تكون غريبة عن الماهية. ولا تكون مثل هذه الغواشي عند ما يكون الشيء محسوسا فقط بل وعند ما يكون معقولا أيضا. (شرح الإشارات ١ : ١٣٨).
(١) متى ثبت بأن التعقل هو نفس حصول المعقول للعاقل فالمانع من كون الشيء معقولا هو المادة وعلائقها ، فإذا كانت الماهية مادية احتاجت إلى العقل في تصيرها معقولة إلى أن يجردها عن المادة وأما إذا كانت مجردة لذاتها عن المادة وعن علائقها لم تكن محتاجة إلى أن يعمل ما يصيره معقولا والمعقول بأن المانع من المعقولات هو المادة. (شرح الإشارات ١ : ١٣٩).
(٢) بنطاسيا : أي الحس المشترك ، وهي قوة مرتبة في أول التجويف المقدم من الدماغ تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة في الحواس الخمس.
(٣) قال الشيخ : آلة المشترك هو الروح المصبوب في مبادي عصب الحس ، لأن الحس المشترك كرأس عين ـ