وقد اختلفت الروايات في أول من بناه.
قيل : إن آدم عليهالسلام لما أهبط إلى الأرض وقع إلى سرنديب (١) من أرض الهند. وكان يتردد في الأرض متحيرا بين فقدان زوجته ووجدان توبته ، حتى وافى حواء بجبل الرحمة (٢) من عرفات وعرفها ، وصار إلى أرض مكة ودعا وتضرع إلى الله تعالى حتى يأذن له في بناء بيت يكون قبلة لصلاته ومطافا لعبادته كما كان قد عهد في السماء من البيت المعمور (٣) الذي هو مطاف الملائكة ومزار الروحانيين ، فأنزل الله تعالى عليه مثال ذلك البيت على شكل سرادق من نور ، فوضعه مكان البيت فكان يتوجه إليه ويطوف به.
ثم لما توفي تولى وصيه شيث عليهالسلام بناء البيت من الحجر والطين على الشكل المذكور حذو القذة بالقذة. ثم لما خرب ذلك بطوفان نوح عليهالسلام ، وامتدّ الزمان حتى غيض (٤) الماء وقضي الأمر ، وانتهت النبوة إلى إبراهيم الخليل عليهالسلام وحمله هاجرا إلى الموضع المبارك ، وولادة إسماعيل عليهالسلام هناك ونشوؤه وتربيته ثمة ، وعود إبراهيم إليه واجتماعه به في بناء البيت ، وذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) (٥) فرفعا قواعد البيت على مقتضى إشارة الوحي مرعيا فيها جميع المناسبات التي بينها وبين البيت المعمور ، وشرعا المناسك والمشاعر محفوظا فيها جميع المناسبات التي بينها وبين
__________________
(١) سرنديب : هي جزيرة عظيمة في بحر هركند بأقصى بلاد الهند ، وفي سرنديب الجبل الذي هبط عليه آدم (عليهالسلام) يقال له الرهون ، وهو ذاهب في السماء يراه البحريون من مسافة أيام كثيرة وفيه أثر قدم آدم. (معجم البلدان ٣ : ٢١٦).
(٢) جبل الرحمة : لم نعثر على ذكر لهذا الجبل في المراجع التي بين أيدينا ، ولعله جزء من عرفات.
(٣) البيت المعمور : هو البيت الذي في السماء يقال له الضراح ، بناؤه كبناء البيت الحرام ، وهو بحيال الكعبة ، في السماء السادسة أو السابعة. وسمي بالمعمور لأنه يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك.
(تاريخ مكة للأزرقي ١ : ١٨).
(٤) غيض الماء : نقص أو غار أو نضب من سورة هود : الآية ٤٤.
(٥) سورة البقرة : الآية ١٢٧.