الشرع الأخير ، وتقبل الله تعالى ذلك منهما ، وبقي الشرف والتعظيم إلى زماننا وإلى يوم القيامة دلالة على حسن القبول فاختلفت آراء العرب في ذلك.
وأول من وضع فيه الأصنام عمرو (١) بن لحيّ بن غالوثة بن عمرو بن عامر ؛ لما ساد قومه بمكة ، واستولى على أمر البيت. ثم صار إلى مدينة البلقاء (٢) بالشام فرأى هناك قوما يعبدون الأصنام فسألهم عنها ، فقالوا : هذه أرباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والأشخاص البشرية ، نستنصر بها فننصر ، ونستسقي بها فنسقى ، ونستشفي بها فنشفى فأعجبه ذلك وطلب منهم صنما من أصنامهم فدفعوا إليه «هبل» (٣) فسار به إلى مكة ووضعه في الكعبة وكان معه إساف ونائلة (٤) على شكل زوجين. فدعا الناس إلى تعظيمها والتقرب إليها ، والتوسل بها إلى الله تعالى. وكان ذلك في أول ملك شابور ذي الأكتاف ، إلى أن أظهر الله تعالى الإسلام فأخرجت وأبطلت. وبهذا يعرف كذب من قال : إن بيت الله الحرام إنما هو بيت زحل ؛ بناه الباني الأول على طوالع معلومة واتصالات مقبولة ، وسماه بيت زحل ؛ ولهذا المعنى اقترن الدوام به بقاء ، والتعظيم له لقاء ؛ لأن زحل يدل على البقاء وطول العمر أكثر مما يدل عليه سائر الكواكب. وهذا خطأ لأن الباني الأول كان مستندا إلى الوحي على يدي أصحاب الوحي.
__________________
(١) عمرو بن لحي : هو عمرو بن لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي من قحطان : أول من غيّر دين إسماعيل ودعا العرب إلى عبادة الأوثان. كنيته أبو ثمامة. وفي نسبه خلاف شديد. وفي العلماء من يجزم بأنه مضري من عدنان لحديث انفرد به أبو هريرة. وهو جد (خزاعة) عند كثير من النسابين ورئيسها عند بعضهم. وكان قد أعجب بأصنام (مآب) فأخذ عددا منها فنصبها بمكة ودعا الناس إلى تعظيمها والاستشفاء بها ، فكان أول من فعل ذلك من العرب. (الأصنام لابن الكلبي ص ٨ والبداية والنهاية ٢ : ١٨٧).
(٢) البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى ، قصبتها عمان. (معجم البلدان ١ : ٤٨٩).
(٣) هبل : اسم صنم كان في الكعبة لقريش.
(٤) إساف ونائلة : هو إساف بن يعلي ، وكان من جرهم ، ونائلة بنت زيد من جرهم ، وكان يتعشقها في أرض اليمن فأقبلوا حجاجا فدخلا الكعبة فوجدا غفلة من الناس وخلوة في البيت ، ففجر بها في البيت فمسخا ، فوجدوهما مسخين فأخرجوهما فوضعوهما عند الكعبة ليتعظ الناس بهما فعبدتهما خزاعة وقريش ومن حجّ البيت بعد من العرب. (الأصنام ص ٢٩).