البشر الجسمانيات بالنسبة إلينا شهادة ، وبالنسبة إليهم غيب. والله تعالى هو الذي (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (١).
قالت الحنفاء : من علم أنه لا يعلم فقد أحاط بكل العلم ، ومن اعترف بالعجز عن أداء الشكر فقد أدى كل الشكر.
قالت الصابئة :
الروحانيات لهم قوة تصريف الأجسام ، وتقليب الأجرام (٢). والقوة التي لهم ليست من جنس القوى المزاجية حتى يعرض لها كلال ولغوب (٣) فتنحسر ، ولكن القوى الروحانية بالخواص الجسمانية أشبه. وإنك لترى الخامة اللطيفة (٤) من النبات في بدء نموها تفتق الحجر ، وتشق الصخر. وما ذاك إلا لقوة نباتية فاضت عليها من القوى السماوية. ولو كانت هي قوى مزاجية لما بلغت إلى هذا المنتهى. فالروحانيات هي التي تتصرف في الأجسام تقليبا وتصريفا. لا يثقلهم حمل الثقيل ، ولا يستخفهم تحريك الخفيف ، فالرياح تهب بتحريكها ، والسحاب يعرض ويزول بتصريفها ، وكذلك الزلازل تقع في الجبال بسبب من جهتها ، وكل هذه وإن استندت إلى أسباب جزئية فإنها تستند في الآخرة إلى أسباب من جهتها.
ومثل هذه القوة عديم الوجود في الجسمانيات.
أجابت الحنفاء :
وقالوا : منا يقتبس تفصيل القوى ، وتجنيسها.
__________________
(١) سورة طه : الآية ٧.
(٢) وهذه القوة ليست من جنس القوى المزاجية حتى يعرض لها كلال ولغوب ، ألا ترى أن الخامة اللطيفة من الزرع في بدء نموها تفتق الحجر وتشق الصخر ، وما ذاك إلا لقوة نباتية فاضت عليها من جواهر القوى السماوية ، فما ظنك بتلك القوى السماوية والروحانيات هي التي تتصرف في الأجسام السفلية تقليبا وتصريفا.
(٣) اللغوب : التعب والإعياء.
(٤) الخامة اللطيفة : الغضة الرطبة من النبات ، وفي الحديث : «مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا».