الجوارح : جوارح الحواس. فأمزجة الأنبياء عليهمالسلام أمزجة نفسانية ، ونفوسهم نفوس عقلية. وعقولهم عقول أمرية فطرية. ولو وقع حجاب في بعض الأوقات فذاك لموافقتنا ومشاركتنا كي تزكى هذه العقول وتصفى هذه الأذهان والنفوس ، وإلا فدرجاتهم وراء ما يقدر.
وأما الثاني : فإنهم قالوا : من العجب أنهم لا يعجبون بهذه العلوم ، بل ويؤثرون التسليم على البصيرة ، والعجز على القدرة ، والتبرؤ من الحول والقوة على الاستقلال ، والفطرة على الاكتساب (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (١) على (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٢).
ويعلمون أن الملائكة والروحانيات بأسرها ، وإن علمت إلى غاية قوة نظرها وإدراكها ، ما أحاطت بما أحاط به علم الباري تعالى ، بل لكل منهم مطرح نظر ، ومسرح فكر ، ومجال عقل ، ومنتهى أمل ، ومطار وهم وخيال. وأنهم إلى الحد الذي انتهى نظرهم إليه مستبصرون ، ومن ذلك الحد إلى ما وراءه مما لا يتناهى ، مسلمون مصدقون. وإنما كمالهم في التسليم لما لا يعلمون ، والتصديق لما يجهلون (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (٣) ليس كمال حالهم بل (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (٤) هو الكمال.
فمن أين لكم معاشر الصابئة أن الكمال والشرف في العلم والعمل لا في التسليم والتوكل؟.
وإذا كانت غاية العلوم هذه الدرجة فجعلت نهاية أقدام الملائكة والروحانيين بداية أقدام السالكين من الأنبياء والمرسلين (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (٥) فعالم الروحانيات بالنسبة إليهم شهادة ، وبالنسبة إلينا غيب. وعالم
__________________
(١) سورة الأحقاف : الآية ٩.
(٢) سورة القصص : الآية ٧٨.
(٣) (٤) سورة البقرة : الآية ٣٠ و ٣٢.
(٥) سورة النمل : الآية ٦٥.