يكون أقرب إلى الإمام. ويقال بالكمال والشرف كتقدم العالم على الجاهل. ويقال بالعلية لأن للعلية استحقاقا للوجود قبل المعلول ، وهما بما هما ذاتان ليس يلزم فيهما خاصية التقدم والتأخر ، ولا خاصية المعية ، ولكن بما هما متضايفان وعلة ومعلول ، وأن أحدهما لم يستفد الوجود من الآخر ، والآخر استفاد الوجود منه ، فلا محالة كان المفيد متقدما والمستفيد متأخرا بالذات وإذا رفعت العلة ارتفع المعلول لا محالة ، وليس إذا ارتفع المعلول ارتفعت بارتفاعه العلة ، بل إن صح فقد كانت العلة ارتفعت أولا بعلة أخرى حتى ارتفع المعلول. واعلم بأن الشيء كما يكون محدثا (١) بحسب الزمان ، كذلك قد يكون محدثا بحسب الذات. فإن الشيء إذا كان له في ذاته أن لا يجب له وجود ، بل هو باعتبار ذاته ممكن الوجود ، مستحق للعدم لو لا علته ، والذي بالذات يجب وجوده قبل الذي من غير الذات ، فيكون لكل معلول في ذاته أولا أنه ليس تم عن العلة. وثانيا : أنه أيس ، فيكون كل معلول محدثا أي مستفيد الوجود من غيره. وإن كان مثلا في جميع الزمان موجودا مستفيدا لذلك الوجود عن موجد فهو محدث ، لأن وجوده من بعد لا وجوده بعدية بالذات. وليس حدوثه إنما هو في آن من الزمان فقط ، بل هو محدث في الدهر كله ، ولا يمكن أن يكون حادثا بعد ما لم يكن في زمان إلا وقد تقدمته المادة. فإنه قبل وجوده ممكن الوجود. وإمكان الوجود إما أن يكون معنى معدوما ، أو معنى موجودا. ومحال أن يكون معدوما فإن المعدوم قبل والمعدوم مع : واحد ، وهو قد سبقه الإمكان. والقبل المعدوم موجود مع وجوده ، فهو إذن معنى موجود ، وكل
__________________
(١) والموجود إما حادث وإما غير حادث. قال بعض المتأخرين : الحادث إذا قيل أن له أول ، يعنون أن لزمان وجوده أول. والقديم هو الذي ليس لزمان وجوده أول ، وهو غير متين ، فإن من القديم ما ليس لوجوده زمان. بل الحقيقة أن القديم ليس وجوده زمانيا ، وأما القديم العرفي فإنه في الحقيقة حادث ولزمان وجوده أول ، والقديم إذا عني به واجب الوجود فلا قديم إلا واحد وما سواه حادث ، وهو كل ممكن ، وإن عنى به ما يسبقه العدم الزماني فمقابله الدائم الوجود ، ومن الأشياء التي هي غير واجب الوجود ما ليس بحادث هذا الحدوث ، وعلى الاصطلاحات كلها لا يخرج الشيء من القدم والحدث. (الحكمة الإلهية ص ٣٢٤).