هذه قاعدتنا في الروحانيات. فلا روحاني أبلغ في الروحانية من ذوات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وأما قولكم : إن الشرف للعلو ، إن عنيتم به علو الجهة فلا شرف فيه. فكم من عال جهة : سافل رتبة ، وعلما ، وذاتا ، وطبيعة. وكم من سافل جهة : عال على الأشياء كلها رتبة ، وفضيلة ، وذاتا ، وطبيعة.
وأما قولكم : إن الاعتبار في الشرف بذوات الأشياء وصفاتها ومحالها ومراكزها ، فليس بحق ، وهو مذهب اللعين الأول (١) حيث نظر إلى ذاته وذات آدم عليهالسلام ففضل ذاته ، إذ هي مخلوقة من النار وهي علوية نورانية ، على ذات آدم وهو مخلوق من الطين ، وهو سفلي ظلماني.
بل عندنا الاعتبار في الشرف بالأمر وقبوله ، فمن كان أقبل لأمره ، وأطوع لحكمه وأرضى بقدره ، فهو أشرف ، ومن كان على خلاف ذلك فهو أبعد وأخس ، وأخبث ، فأمر الباري تعالى هو الذي يعطي الروح (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٢) وبالروح يحيا الإنسان الحياة الحقيقية ، وبالحياة يستعد للعقل الغريزي ، وبالعقل يكتسب الفضائل ويجتنب الرذائل ، ومن لم يقبل أمر الباري تعالى فلا روح له ، ولا حياة ، ولا عقل له ، ولا فضيلة له ، ولا شرف عنده.
قالت الصابئة :
الروحانيات فضلت الجسمانيات بقوتي العلم والعمل (٣).
__________________
(١) واللعين الأول هو إبليس ، وكان فضل النار على الطين ، وإلى ذلك أشار بشار بن برد ، وكان يدين بالرجعة ، فقال :
الأرض مظلمة والنار مشرقة |
|
والنار معبودة مذ كانت النار |
(الأغاني ٣ : ١٤٥).
(٢) سورة الإسراء : الآية ٨٥.
(٣) أما العلم فلاتفاق الحكماء على إحاطة الروحانيات السماوية بالمغيبات واطلاعها على مستقبل الأمور ، وأما العمل فلأنهم مواظبون على الخدمة دائما يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، لا يلحقهم نوم العيون ـ