٦ ـ شبه برقلس (١) في قدم العالم
إن القول في قدم العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع ، والقول بالعلة الأولى إنما شهر بعد أرسطوطاليس ، لأنه خالف القدماء صريحا ، وأبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانا ، فنسج على منواله من كان من تلامذته وصرحوا القول فيه مثل الإسكندر الأفروديسي ، وثامسطيوس ، وفورفوريوس.
وصنف برقلس المنتسب إلى أفلاطون في هذه المسألة كتابا وأورد فيه هذه الشبه (٢) ، وإلا فالقدماء إنما أبدوا فيه ما نقلناه سالفا.
الشبهة الأولى : قال : إن الباري تعالى جواد بذاته ، وعلة وجود العالم جوده ، وجوده قديم لم يزل ، فيلزم أن يكون وجود العالم قديما لم يزل.
قال : ولا يجوز أن يكون مرة جوادا ، ومرة غير جواد ، فإنه يوجب التغير في ذاته ، فهو جواد لذاته ، لم يزل. قال : ولا مانع من فيض جوده ، إذ لو كان مانع لما كان من ذاته بل من غيره ، وليس لواجب الوجود لذاته حامل على شيء ، ولا مانع من شيء.
الشبهة الثانية : قال : ليس يخلو الصانع من أن يكون لم يزل صانعا بالفعل ، أو لم يزل صانعا بالقوة ، أي يقدر أن يفعل ولا يفعل. فإن كان الأول فالمصنوع معلول لم يزل ، وإن كان الثاني فما بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا بمخرج ، ومخرج
__________________
(١) برقلس أو بروكلوس فيلسوف يوناني أفلاطوني. ولد في القسطنطينية سنة ٤١٢ م. أقام في الإسكندرية يأخذ العلم عن أشهر المدرسين ، ثم رحل إلى أثينا وخلف سريانوس في مدرستها بعد وفاته وتمسك بمذهب التزهد الذي كان شائعا في المدرسة الأفلاطونية وامتنع عن الأطعمة الحيوانية ، ورفض الزواج ، وصرف أمواله في الأعمال الخيرية، كان مشهورا في الرياضيات والعلوم اللغوية ، وتآليفه الباقية أكثرها شروح وبخاصة شروحه على كتب أفلاطون ، ومن تآليفه كتاب بعنوان «اثنين وعشرين برهانا ضد المسيحية» حاول فيه أن يثبت أبدية الكون. توفي بأثينا سنة ٤٨٥ م. (دائرة المعارف للبستاني ٥ : ٣٩٣).
(٢) يضاف إلى هذا الكتاب كتاب آخر في العناية وفي الغدر ، وكتاب في الشرور وقيامها بأنفسها ، وهذه الكتب الثلاثة ضاعت أصولها اليونانية ، ولم يبق سوى ترجمتها اللاتينية. (تاريخ الفلسفة اليونانية ص ٢٩٩).