الصورة بذلك الوضوح ، بل حمله على العقل الفعال الجواد ، الواهب للصور على قدر استعدادات القوابل أظهر.
وقال : لك نسبان : نسب إلى أبيك ، ونسب إلى أمك. أنت بأحدهما أشرف ، وبالآخر أوضع ، فانتسب في ظاهرك وباطنك إلى من أنت به أشرف ، وتبرأ في باطنك وظاهرك ممن أنت به أوضع ، فإن الولد الفسل يحب أمه أكثر مما يحب أباه ، وذلك دليل على دخل العرق وفساد المحتد. قيل : أراد بذلك الهيولى والصورة ، أو البدن والنفس ، أو الهيولى والعقل الفعال.
وقال : قد ارتفع إليك خصمان منك يتنازعان فيك ، أحدهما محق ، والآخر مبطل ، فاحذر أن تقضي بينهما بغير الحق فتهلك أنت.
والخصمان أحدهما : العقل ، والثاني الطبيعة.
وقال : كما أن البدن الخالي من النفس يفوح منه نتن الجيفة ، كذلك النفس الخالية من الأدب يحس نقصها بالكلام والأفعال.
وقال : الغائب المطلوب في طي الشاهد الحاضر.
وقال أبو سليمان السجزي (١) : مفهوم هذا الإطلاق أن كل ما هو عندنا بالحس هاهنا ، فهو بالعقل لنا هناك ، إلا أن الذي عندنا ظل ذاك ؛ ولأن من شأن الظل أنه كما يريك الشيء الذي هو ظله مرة فاضلا عما هو عليه ، ومرة قالصا عما هو به ، ومرة على قدره ، عرض الحسبان والتوهم وصارا مزاحمين لليقين والتحقيق ، فينبغي
__________________
(١) هو محمد بن طاهر بن بهرام أبو سليمان السجزي المنطقي ، نزيل بغداد. قرأ على متى بن يونس وأمثاله ، قصد الرؤساء والأجلاء ، وكان منزله مقيلا لأهل العلوم القديمة ، وله أخبار وحكايات ، وكان عضد الدولة فناخسرو شاهنشاه يكرمه ويفخمه ، وله كتب منها : رسالة في مراتب قوى الإنسان ، ورسائل عدة إلى عضد الدولة في فنون مختلفة من الحكمة وشرح كتاب أرسطوطاليس. وترجح وفاته حوالي سنة ٣٨٠ ه. (أخبار العلماء ص ١٨٥).