ثم نقول : الحركات لا تخلو إما أن تكون لم تزل ، أو تكون قد حدثت بعد أن لم تكن، وقد كان المحرك لها موجودا بالفعل قادرا ، ليس يمانعه مانع من أن تكون عنه ، ولا حدث حادث في حال ما أحدثها فرغبه وحمله على الفعل. إذن كان جميع ما يحدث إنما يحدث عنه ، وليس شيء غيره يعوقه أو يرغبه ، ولا يمكن أن يقال : قد كان لا يقدر أن يكون عنه مقدور فقدر ، أو لم يرد فأراد ، أو لم يعلم فعلم. فإن ذلك كله يوجب الاستحالة، ويوجب أن يكون شيء آخر غيره هو الذي أحاله. وإن قلنا إنه منعه مانع يلزم أن يكون السبب المانع أقوى ، والاستحالة والتغير عن المانع حركة أخرى استدعت محركا ، وبالجملة : كل سبب ينسب إليه الحادث في زمان حدوثه بعد جوازه في زمان قبله وبعده. فإن ذلك السبب جزئي خاص أوجب حدوث تلك الحادثة التي لم تكن قبل ذلك ، وإلا فالإرادة الكلية ، والقدرة الشاملة ، والعلم الواسع العام ليس يختص بزمان دون زمان ، بل نسبته إلى الأزمان كلها نسبة واحدة ، فلا بد لكل حادث من سبب حادث ، ويتعالى عنه الواحد الحق الذي لا يجوز عليه التغيير والاستحالة.
قال : وإذا كان لا بد من محرك للمحركات ، ومن حامل للحركات ، تبين أن المحرك سرمدي ، والحركات سرمدية ، فالمتحركات سرمدية. فإن قيل : إن حامل الحركة ؛ وهو الجسم ، لم يحدث ، لكنه تحرك عن سكون ، وجب أن يعثر على السبب الذي يغير من السكون إلى الحركة ، فإن قلنا إن ذلك الجسم حدث ، فقد تقدم حدوث الجسم حدوث الحركة ، فقد بان أن الحركة ، والمتحرك ، والزمان الذي هو عادّ للحركة : أزلية سرمدية.
والحركات إما مستقيمة وإما مستديرة ، والاتصال لا يكون إلا للمستديرة ، لأن المستقيم ينقطع ، والاتصال أمر ضروري للأشياء الأزلية. فإن الذي يسكن ليس بأزلي. والزمان متصل ، لأنه لا يمكن أن يكون قطعا مبتورة ، فيجب من ذلك أن تكون الحركة متصلة. وإذا كانت المستديرة هي وحدها متصلة ، فيجب أن تكون هي أزلية ، فيجب أن يكون محرك هذه الحركة المستديرة أيضا أزليا ، إذ لا يكون