السماوات ، ومحركاتها ، ومدبراتها ، وما قبلها من العقل الفعال. وأجزاء مركبة متأخرة تجري أكثر أمورها على الاتفاق المخلوط بالطبع والإرادة والجبر الممزوج بالاختيار. ثم ينسب الكل إلى عناية الباري جلت عظمته.
المسألة العاشرة :
في أن النظام في الكل متوجه إلى الخير (١) ، والشر واقع في القدر بالعرض.
قال : لما اقتضت الحكمة الإلهية نظام العالم على أحسن إحكام وإتقان ، لا لإرادة وقصد إلى أمر في السافل حتى يقال : إنما أبدع العقل مثلا لغرض في السافل ، حتى يفيض مثلا على السافل فيضا ، لأمر أعلى من ذلك ، وهو أن ذاته أبدع ما أبدع لذاته لا لعلة ولا لغرض ، فوجدت الموجودات كاللوازم واللواحق ، ثم توجهت إلى الخير ، لأنها صادرة عن أصل الخير ، وكان المصير في كل حال إلى رأس واحد.
ثم ربما يقع شر وفساد من مصادمات في الأسباب السافلة دون العالية التي كلها خير مثل المطر الذي لم يخلق إلا خيرا ونظاما للعالم ، فيتفق أن يخرب به بيت عجوز ، فإن وقع كان ذلك واقعا بالعرض لا بالذات. أو بأن لا يقع شر جزئي في العالم لا تقتضي الحكمة أن لا يوجد خير كلي ، فإن فقدان المطر أصلا شر كلي ،
__________________
(١) قال ابن سينا في كتاب النجاة : وكل واجب الوجود بذاته فإنه خير محض ، وكمال محض ، والخير بالجملة هو ما يتشوقه كل شيء ويتم به وجوده ، والشر لا ذات له ، بل هو إما عدم جوهر أو عدم صلاح حال الجوهر ، فالوجود خيرية وكمال الوجود خيرية الوجود ، والوجود الذي لا يقارنه عدم ، لا عدم جوهر ولا عدم شيء للجوهر ، بل هو دائم بالفعل ، فهو خير محض ، والممكن الوجود بذاته ليس خيرا محضا ، لأن ذاته بذاته لا يجب له الوجود فذاته بذاته تحتمل العدم ، وما احتمل العدم بوجه ما فليس من جميع جهاته بريئا من الشر والنقص. فإذن ليس الخير المحض إلا الواجب الوجود بذاته ، والواجب الوجود يجب أن يكون لذاته مفيدا لكل وجود ، ولكل كمال وجود ، فهو من هذه الجهة خير أيضا لا يدخله نقص ولا شر ، والشرور أمور إضافية مقيسة إلى أفراد شخصية معينة ، وأما في نفسها وبالنسبة إلى ما يجب أن يكون عليه الكل من النظام فلا شر أصلا ، وفي النجاة : «فالخير مقتضى بالذات ، والشر مقتضى بالعرض ، وكل بقدر». (النجاة ص ٣٧٣ و ٤٧٤).