المركب على المركب سبقا بالذات ، فلا يكون واجبا بذاته ، ولأنه لو لم يكن هو بعينه واجب الوجود لذاته لا لشيء عنه ، بل لأمر خارج عنه واجب بذاته لكان واجب الوجود بذلك الأمر الخارج ، فلم يكن واجبا بذاته ، هذا خلف.
المسألة الثالثة :
في أن واجب الوجود لذاته : عقل لذاته ، وعاقل ومعقول لذاته (١) ، عقل من غيره ، أو لم يعقل.
أما أنه عقل فلأنه مجرد عن المادة ، منزه عن اللوازم المادية ، فلا تحتجب ذاته عن ذاته.
وأما أنه عاقل لذاته ، فلأنه مجرد لذاته.
وأما أنه معقول لذاته ، فلأنه غير محجوب عن ذاته بذاته أو بغيره.
قال : الأول يعقل ذاته ، ثم من ذاته يعقل كل شيء ، فهو يعقل العالم العقلي دفعة واحدة من غير احتياج إلى انتقال وتردد من معقول إلى معقول ، وأنه ليس يعقل الأشياء على أنها أمور خارجة عنه فيعقلها منها كحالنا عند المحسوسات ، بل يعقلها من ذاته ، وليس كونه عاقلا وعقلا بسبب وجود الأشياء المعقولة حتى يكون وجودها قد جعله عقلا ، بل الأمر بالعكس ، أي عقله للأشياء جعلها موجودة ، وليس للأول شيء يكمله ، فهو الكامل لذاته ، المكمل لغيره ، فلا يستفيد وجوده من وجود كمالا ، وأيضا فإنه لو كان يعقل الأشياء من الأشياء ، لكان وجودها متقدما على
__________________
(١) يقول : وإذ قد ثبت واجب الوجود ، فنقول إنه بذاته عقل وعاقل ومعقول ، أما إنه معقول الماهية فلأنك تعرف أن طبيعة الوجود بما هي طبيعة أقسام الوجود بما هي كذلك ، غير ممتنع عليها أن تعقل إنما يعرض لها أن لا تعقل إذا كانت في المادة ، أو مكنوفة بعوارض المادة ، فإنها من حيث هي كذلك محسوسة أو متخيلة ، والوجود إذا جرد عن هذا العائق ، كان وجودا وماهيته معقولة. وكل ما هو بذاته مجرد عن المادة والعوارض ، فهو بذاته معقول. والأول الواجب الوجود مجرد عن المادة وعوارض المادة ، فهو بما هو هوية مجردة عقل وبما يعتبر له أن هوية المجردة لذاته فهو معقول لذاته. وبما يعتبر له أن ذاته لها هوية مجردة هو عاقل ذاته ، ومن فكر قليلا علم أن العاقل يقتضي شيئا معقولا ، وهذا الاقتضاء لا يتضمن أن ذلك الشيء آخر ، أو هو هو. (انظر النجاة ص ٣٩٨).