إن الجوهر يقال على ثلاثة أضرب : اثنان طبيعيان ، وواحد غير متحرك. قال : إنا وجدنا المتحركات على اختلاف جهاتها وأوضاعها ، ولا بد لكل متحرك من محرك ، فإما أن يكون المحرك متحركا ؛ فيتسلسل القول فيه ولا يتحصل ، وإلا فيستند إلى محرك غير متحرك ، ولا يجوز أن يكون فيه معنى ما بالقوة فإنه يحتاج إلى شيء آخر يخرجه من القوة إلى الفعل ؛ إذ هو لا يتحرك من ذاته من القوة إلى الفعل ، فالفعل إذن أقدم من القوة ، وما بالفعل أقدم على ما بالقوة ، وكل جائز وجوده ففي طبيعته معنى ما بالقوة ، وهو الإمكان والجواز فيحتاج إلى واجب به يجب ، وكذلك كل متحرك فيحتاج إلى محرك ، فواجب الوجود بذاته : ذات وجودها غير مستفاد من وجود غيره ، وكل موجود فوجوده مستفاد عنه بالفعل. وجائز الوجود له في نفسه وذاته الإمكان ، وذلك إذا أخذته بلا شرط ، وإذا أخذته بشرط علته فله الوجوب ، وإذا أخذته بشرط لا علية فله الامتناع.
المسألة الثانية :
في أن واجب الوجود واحد (١) ، أخذ أرسطوطاليس يوضح أن المبدأ الأول واحد من حيث أن العالم واحد ، ويقول : إن الكثرة بعد الاتفاق في الحد ليست إلا في كثرة العنصر ، وأما ما هو بالآنية الأولى فليس له عنصر ، لأنه تمام ، قائم بالفعل ، لا يخالط القوة فإذن المحرك الأول واحد بالكلمة والعدد ، أي بالاسم والذات ، قال : فمحرك العالم واحد ، لأن العالم واحد ، هذا نقل ثامسطيوس ، وأخذ من نصر مذهبه يوضح أن المبدأ الأول واحد من حيث إنه واجب الوجود لذاته ، قال : ولو كان كثيرا لحمل واجب الوجود عليه وعلى غيره بالتواطؤ فيشملها جنسا ، وينفصل أحدهما عن الآخر نوعا ، فتتركب ذاته من جنس وفصل. فتسبق أجزاء
__________________
(١) فأرسطو يكشف في مذهبه عن وجود إله واحد يدبر هذا الكون ، وقد ذكر الفارابي في كتابه «الجمع بين رأيي الحكيمين» بأن أرسطو بيّن في كتاب «أوثولوجيا» أن الواحد موجود في كل كثرة ، لأن كل كثرة لا يوجد فيها الواحد لا تتناهى أبدا ، وبرهن على ذلك ببراهين جلية واضحة.