مهذبا من كل ثقل وكدر ، وأما الجرم الذي من الماء والأرض فيدثر ويفنى ، لأنه غير مشاكل للجسم السماوي ، لأن ذلك الجسم خفيف لطيف لا وزن له ، ولا يلمس ، وإنما يدرك من البصر فقط ، كما تدرك الأشياء الروحانية من العقل ، فألطف ما يدرك الحس البصري من الجواهر هي النفسانية ، وألطف ما يدرك من إبداع الباري تعالى الآثار التي عند العقل.
وذكروا أن النفس إنما هي مستطيعة ما خلّاها الباري تعالى أن تفعل ، وإذا ربطها فليست بمستطيعة كالحيوان الذي إذا خلّاه مدبره ؛ أعني الإنسان ، كان مستطيعا في كل ما دعى إليه ، وتحرك إليه ، وإذا ربطه لم يقدر حينئذ أن يكون مستطيعا.
وذكروا أن دنس النفس وأوساخ الجسد إنما تكون لازمة للإنسان من جهة الأجزاء وأما التطهير والتهذيب فمن جهة الكل ، لأنه إذا انفصلت النفس الكلية إلى النفس الجزئية ، والعقل الجزئي من العقل الكلي غلظت وصارت من حيز الجرم ، لأنها كلما سفلت اتحدت بالجرم ، والجرم من حيز الماء والأرض ، وهما ثقيلان يذهبان سفلا ، وكلما اتصلت النفس الجزئية بالنفس الكلية ، والعقل الجزئي بالعقل الكلي ذهبت علوا ، لأنها تتحد بالجسم ، والجسم من حيز النار والهواء ، وكلاهما لطيفان يذهبان علوا ، وهذان الجرمان مركبان ، وكل واحد منهما من جوهرين ، واجتماع هذين الجرمين يوجب الاتحاد شيئا واحدا عند الحس البصري ، فأما عند الحواس الباطنة ، وعند العقل فليست شيئا واحدا ، فالجسم في هذا العالم مستبطن في الجرم ، لأنه أشد روحانية ، ولأن هذا العالم ليس مشاكلا له ، ولا مجانسا له ، والجرم مشاكل ومجانس لهذا العالم ، فصار الجرم أظهر من الجسم لمجانسة هذا العالم وتركيبه ، وصار الجسم مستبطنا في الجرم ، لأن هذا العالم غير مشاكل له ، وغير مجانس له ، فأما في ذلك العالم فالجسم ظاهر على الجرم لأن ذلك العالم عالم الجسم لأنه مجانس ومشاكل له ، ويكون لطيف الجرم الذي هو من لطيف الماء والأرض المشاكل لجوهر النار والهواء ، مستنبطا في الجسم ، كما كان الجسم