ودخل على عليل فقال له : أنا ، والعلة ، وأنت ؛ فإن أعنتني عليها بالقبول لما تسمع مني صرنا اثنين ، وانفردت العلة فقوينا عليها ، والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه.
وسئل : ما بال الإنسان أثور ما يكون بدنه إذا شرب الدواء (١)؟ قال : مثل ذلك مثل البيت أكثر ما يكون غبارا إذا كنس.
وحديث ابن الملك : أنه عشق جارية من حظايا أبيه فنهك بدنه ؛ واشتدت علته ، فأحضر بقراط فجس نبضه ، ونظر إلى تفسرته فلم ير أثر علة. فذاكره حديث العشق فرآه يهشّ لذلك ويطرب. فاستخبر الحال من حاضنته فلم يكن عندها خبر ، وقالت : ما خرج قط من الدار فقال بقراط للملك : مر رئيس الخصيان بطاعتي ، فأمره بذلك ، فقال : أخرج عليّ النساء ، فخرجن وبقراط واضع إصبعه على نبض الفتى ، فلما خرجت الحظية اضطرب عرقه ، وطار قلبه ، وحارّ طبعه. فعلم بقراط أنها المعينة لهواه ، فصار بقراط إلى الملك وقال له : ابن الملك قد عشق من الوصول إليها صعب. قال الملك : ومن ذاك؟ قال : هو يحب حليلتي. قال : أنزل عنها ولك عنها بدل. فتخازن بقراط ووجم ، وقال : هل رأيت أحدا كلف أحدا طلاق امرأته ولا سيما الملك في عدله ونصفته يأمرني بمفارقة حليلتي ، ومفارقتها مفارقة روحي؟ قال الملك : إني أوثر ولدي عليك ، وأعوضك من هو أحسن منها ، فامتنع حتى بلغ الأمر إلى التهديد بالسيف. قال بقراط : إن الملك لا يسمى عدلا حتى ينتصف من نفسه ما ينتصف من غيره ، أرأيت لو كانت العشيقة حظية الملك؟.
قال : يا بقراط! عقلك أتم من معرفتك! ونزل عنها لابنه ، وبرئ الفتى من مرضه ذلك.
وقال بقراط : إياك أن تأكل إلا ما تستمرىء. وأما ما لا تستمرىء فإنه يأكلك.
__________________
(١) أثور : أهيج.