٤ ـ رأي ديمقريطيس (١) وشيعته
كان يقول في المبدع الأول : إنه ليس هو العنصر فقط ، ولا العقل فقط ، بل الأخلاط الأربعة وهي الأسطقسات (٢) : أوائل الموجودات كلها ، ومنها أبدعت الأشياء البسيطة كلها دفعة واحدة. وأما المركبة فإنها كونت دائمة داثرة ، إلا أن ديمومتها بنوع ، ودثورها بنوع. ثم إن العالم بجملته باق غير داثر ، لأنه ذكر أن هذا العالم متصل بذلك العالم الأعلى ، كما أن عناصر هذه الأشياء متصلة بلطيف أرواحها الساكنة فيها. والعناصر وإن كانت تدثر في الظاهر فإن صفوها من الروح البسيط الذي فيها ، فإذا كان كذلك فليس يدثر إلا من جهة الحواس. فأما من نحو العقل فإنه ليس يدثر ، فلا يدثر هذا العالم إذا كان صفوها فيه ، وصفوه متصل بالعوالم البسيطة ، وإنما شنع عليه الحكماء من جهة قوله : إن أول مبدع هو العناصر ، وبعدها أبدعت البسائط الروحانية ، فهو يرتقي من الأسفل إلى الأعلى ، ومن الأكدر إلى الأصفى (٣).
ومن شيعته : فليوخوس ، إلا أنه خالفه في المبدع الأول ، وقال بقول سائر الحكماء غير أنه قال : إن المبدع الأول هو مبدع الصورة فقط دون الهيولى ، فإنها لم تزل مع المبدع.
__________________
(١) انظر ص ٣٩٩ ح ٢ من هذا الكتاب فقد أوردنا فيها ترجمة كافية لديمقريطس.
(٢) انظر أيضا ص ٤١٢ ح ١.
(٣) الحركة عند ديمقريطس أزلية أبدية وهي نوعان : نوع خاص بحركة الذرات في الخلاء ، ونوع آخر خاص بحركة الذرات من أجل تكوين العالم. أما الحركة الأولى فهي أفقية ، فيها اصطدمت الذرات بعضها ببعض فتكونت عنها حركة ثانية دائرية أو على شكل دوامة. وهذه الحركة الدائرية هي التي نشأ عنها الوجود. ذلك أرجح الآراء فيما يتصل بحركات الذرات ، وهنا رأي آخر يقول إن الذرات كانت متحركة أولا في الخلاء اللامتناهي ثم سقطت عن طريق ثقلها إلى أسفل فلما سقطت اختلفت أوضاعها من حيث ان بعض الذرات أثقل من بعض ، كما أن البعض منها اجتمع مع البعض الآخر ، وتكوّن من هذا مركب ، وعن هذا المركب نشأت حركة الدوامة ، وعن هذا كله بدأ الوجود. وهذا الرأي الأخير هو رأي أتسلر. ولكن الرأي الأول لا يزال حتى اليوم أرجح الآراء. (انظر موسوعة الفلسفة ١ : ٥٠٨ و ٥٠٩ ففيها فكرة وافية عن مذهب الذريين ونظرتهم إلى نشأة الوجود).