فأنكروا عليه وقالوا : إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة لما قبلت الصور ولما تغيرت من حال إلى حال ، ولما قبلت فعل غيرها ، إذا الأزلي لا يتغير ، وهذا الرأي مما كان يعزى إلى أفلاطون الإلهي ، والرأي في نفسه مزيف ، والعزوة إليه غير صحيحة. ومما نقل عن ديمقريطيس وزينون الأكبر ، وفيثاغورس أنهم كانوا يقولون : إن الباري تعالى متحرك بحركة فوق هذه الحركة الزمانية وقد أشرنا إلى المذهبين ، وبينا المراد بإضافة الحركة والسكون إلى الله تعالى ، ونزيده شرحا من احتجاج كل فريق على صاحبه.
قال أصحاب السكون : إن الحركة لا تكون أبدا إلا ضد السكون ، والحركة لا تكون إلا بنوع زمان إما ماض ، وإما مستقبل ، والحركة لا تكون إلا مكانية ، إما منتقلة وإما مستوية. ومن المستوية تكون الحركة المستقيمة ، والحركة المعوجة. والمكانية تكون مع الزمان ، فلو كان الباري تعالى متحركا لكان داخلا في الدهر والزمان.
قال أصحاب الحركة : إن حركته أعلى من جميع ما ذكرتموه ، وهو مبدع الدهر والمكان ، وإبداعه ذلك هو الذي يعني بالحركة ، والله أعلم.
٥ ـ رأي فلاسفة أقاديما (١)
كانوا يقولون : إن كل مركب ينحل ، ولا يجوز أن يكون مركبا من جوهرين متفقين في جميع الجهات ، وإلا فليس بمركب ، فإذا كان هذا هكذا ، فلا محالة أنه إذا انحل المركب رحل كل جوهر فاتصل بالأصل الذي كان منه ، فما كان منها بسيطا روحانيا لحق بعالمه الروحاني البسيط ، والعالم الروحاني باق غير داثر ،
__________________
(١) أقاديما : أو أكاديمية أفلاطون وقد أنشأها عام ٣٨٧ ق. م. عند ما عاد إلى أثينا ، وأنشأ على أبوابها ، مقابل بستان أكاديموس ، أكاديميته الشهيرة التي أمها طلاب المعرفة من كل صوب ، وراح يعلّم الحكمة ويعدّ رجالا يستطيعون أن يديروا شئون المدينة وفاقا لمقتضيات العقل.