متضادة ومزدوجة بطباعها ، اثنان منها مزدوجان ، واثنان منها متضادان ، ومن التضاد يصدر الاختلاف والهرج (١) ، ومن الازدواج يحصل الفساد والمرج (٢). فما هو مبدع لا من شيء ، لا يكون كمخترع من شيء.
والمادة والهيولى سنخ الشر ومنبع الفساد ، فالمركب منها ومن الصورة : كيف يكون كمحض الصورة؟ والظلام كيف يساوي النور؟ والمحتاج إلى الازدواج ، والمضطر في هوة الاختلاف ، كيف يرقى إلى درجة المستغني عنهما؟.
أجابت الحنفاء :
بأن قالت : بم عرفتم معاشر الصابئة وجود هذه الروحانيات؟ والحس ما دلكم عليه ، والدليل ما أرشدكم إليه؟ قالوا : عرفنا وجودها ، وتعرفنا أحوالها من عاذيمون ، وهرمس : شيث ، وإدريس عليهماالسلام.
قالت الحنفاء : لقد ناقضتم وضع مذهبكم ، فإن غرضكم في ترجيح الروحاني على الجسماني : نفي المتوسط البشري ، فصار نفيكم إثباتا ، وعاد إنكاركم إقرارا.
ثم من الذي يسلم أن المبدع لا من شيء أشرف من المخترع من شيء؟ بل وجانب الروحاني أمر واحد ، وجانب الجسماني أمران :
أحدهما : نفسه وروحه.
والثاني : حسه وجسده. فهو من حيث الروح مبدع بأمر الله تعالى. ومن حيث الجسد مخترع بخلقه. ففيه أثران : أمري ، وخلقي : قولي ، وفعلي. فساوى الروحاني بجهة ، وفضله بجهة ، خصوصا إذا كانت جهته الخلقية ما نقصت الجهة الأخرى ، بل كملت وطهرت.
__________________
(١) الهرج : الاختلاط. وفي حديث أشراط الساعة : يكون كذا وكذا ويكثر الهرج ، قيل : وما الهرج يا رسول الله؟ قال : «القتل».
(٢) المرج : القلق ؛ وفي التنزيل : (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ؛ أي في ضلال. والمرج : الفتنة والفساد. وفي الحديث : كيف أنتم إذا مرج الدين؟ أي فسد وقلقت أسبابه.