قالوا :
* وأما الحالة : فأحوال الروحانيات من الروح ، والريحان ، والنعمة ، واللذة ، والراحة ، والبهجة ، والسرور في جوار ربّ الأرباب : كيف يخفى؟.
ثم طعامهم وشرابهم : التسبيح ، والتقديس ، والتهليل ، والتمجيد ، والتحميد. وأنسهم بذكر الله تعالى وطاعته ، فمن قائم ، ومن راكع ، ومن ساجد ، ومن قاعد لا يزيد تبديل حالته لما هو فيه من البهجة واللذة ، ومن خاشع بصره لا يرفع ، ومن ناظر لا يغم ، ومن ساكن لا يتحرك ، ومن متحرك لا يسكن ، ومن كروبي (١) في عالم القبض ، ومن روحاني في عالم البسط : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٢).
٢ ـ مناظرات بين الصابئة ، والحنفاء
وقد جرت مناظرات ومحاورات بين الصابئة والحنفاء في المفاضلة بين الروحاني المحض ، وبين البشرية النبوية.
ونحن أردنا أن نوردها على شكل سؤال وجواب ، وفيها فوائد لا تحصى :
قالت الصابئة :
الروحانيات أبدعت إبداعا لا من شيء. لا مادة ، ولا هيولى. وهي كلها جوهر (٣) واحد على سنخ (٤) واحد. وجواهرها أنوار محضة لا ظلام فيها ، وهي من شدة ضيائها لا يدركها الحس ، ولا ينالها البصر ، ومن غاية لطافتها يحار فيها العقل ، ولا يجول فيها الخيال.
ونوع الإنسان مركب من العناصر الأربعة ، مؤلف من مادة ، وصورة ، والعناصر
__________________
(١) كروبي ، من كرب الأمر : دنا وقرب.
(٢) سورة التحريم : الآية ٦ ، وقد أوردنا الآية بكاملها ص ٣٠٨ ح ١.
(٣) الجوهر : كل جوهر مؤلف من مادة ـ ويسميها أرسطو هيولى ـ وصورة ؛ هي والصورة هي التي تكيّف الجوهر. والصورة لما دونها ، ومادة لما فوقها ؛ فاللوح صورة بالنسبة إلى الخشب ومادة بالنسبة إلى السرير.
(٤) السنخ : الأصل من كل شيء.