علمه صورة إبداع كل جوهر ، وصورة دثور كل جوهر. فإن علمه غير متناه ، والصور التي فيه من حيث الإبداع غير متناهية ، وكذلك صور الدثور غير متناهية ، فالعوالم تتجدد في كل حين وفي كل دهر ، فما كان منها مشاكلا لنا أدركنا حدود وجوده ودثوره بالحواس والعقل ، وما كان غير مشاكل لنا لم ندركه. إلا أنه ذكر وجه التجدد فقال : إن الموجودات باقية داثرة. أما بقاؤها فبتجدد صورها ، وأما دثورها فبدثور الصورة الأولى عند تجدد الأخرى ، وذكر أن الدثور قد يلزم الصورة والهيولى معا.
وقال أيضا : إن الشمس والقمر والكواكب تستمد القوة من جوهر السماء. فإذا تغيرت السماء تغيرت النجوم أيضا ، ثم هذه الصور كلها بقاؤها ، ودثورها في علم الباري تعالى ، والعلم يقتضي بقاءها دائما وكذلك الحكمة تقتضي ذلك ؛ لأن بقاءها على هذه الحال أفضل ، والباري تعالى قادر على أن يفني العوالم يوما ما إن أراد ، وهذا الرأي قد مال إليه الحكماء المنطقيون الجدليون دون الإلهيين (١).
__________________
ـ الحجاج ، فبرع كل البراعة في الدفاع عن مذهب أستاذه ، حتى أنه لم يخالفه في شيء ، وحتى في الجزء الخاص بالطبيعيات.
أراد زينون أن يدافع عن مذهب الوجود الواحد الثابت فلجأ إلى طريقة غير مباشرة ، فبينما كان أستاذه يستخرج خصائص الوجود من ماهية الوجود نفسه استخلاصا استدلاليا ، نرى زينون على العكس يحاول الدفاع عن مذهب برمنيدس مستعملا طريقة غير مباشرة ، وذلك بأن يقول إن المذاهب المضادة لمذهب الوجود عند برمنيدس تفضي قطعا إلى تناقض ، ومعنى إفضائها إلى تناقض أنها غير صحيحة ، وما دامت غير صحيحة فالمذاهب المضادة لها صحيحة. توفي زينون سنة ٤٣٠ ق. م. (انظر موسوعة الفلسفة ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٣).
(١) ذهب مذهب أستاذه برمنيدس ، في أنه لم يلتمس علة الكون في ماء ولا هواء مما يرى بالعين ويحس باليد ، ولم يلتمسه في العدد الذي يتصل بالأشياء المحسوسة صلة وثيقة ، بل أنكر الأشياء جميعا واعتبرها في حكم العدم ، واغترف بحقيقة واحدة لم نصل إليها بطريق الحواس ، بل بالعقل الحر الخالص ، أعني بها الكينونة إلى الوجود ، إذ أنه نظر إلى الأشياء فأدرك أنه إنما يحسّ منها صفاتها ، وهذه الصفات متغيرة فانية إلا شيئا واحدا هو الوجود.
ومذهب برمنيدس في الوجود يقوم على أصلين رئيسيين هما الوحدة والثبات ، لذا كان على زينون أن يدافع عن هذا المذهب فيما يتصل بهذين الأصلين. ومن أجل هذا تنقسم حججه إلى قسمين رئيسيين : قسم خاص بالتعدد وقسم خاص بالحركة. وفي كل من هذين القسمين توجد حجج أربع تصل إلى غاية واحدة هي : وحدانية الوجود وعدم تعدده. (انظر موسوعة الفلسفة ١ : ٢٧٢ و ٢٧٣).