صفة منطقية ولا عقلية مبدع صور كل صفة ، وكل نعت منطقي وعقلي ، فإذا كان هذا هكذا ، فقولنا إن صور ما في هذه العوالم المبدعة لم تكن عنده أو كانت ، أو كيف أبدع ولم أبدع؟ محال ، لأن العقل مبدع ، والمبدع مسبوق بالمبدع ، والمسبوق لا يدرك السابق أبدا ، فلا يجوز أن يصف المسبوق السابق. بل نقول : إن المبدع أبدع كيفما أحب. وكيفما شاء ، فهو هو ولا شيء معه. قال : وهذه الكلمة أعني هو ولا شيء بسيطا ولا مركبا معه ، وهو مجمع كل ما نطلبه من العلم ، لأنك إذا قلت ولا شيء معه ، فقد نفيت عنه أزلية الصورة والهيولى ، وكل مبدع من صورة وهيولى ، وكل مبدع من صورة فقط.
ومن قال إن الصور أزلية مع آنيته فليس هو فقط ، بل هو وأشياء كثيرة. فليس هو مبدع للصور ؛ بل كل صورة إنما أظهرت ذاتها. فعند إظهارها ذاتها ظهرت هذه العوالم وهذا أشنع ما يكون من القول.
وكان هرمس وعاذيمون يقولان : ليست أوائل البتة ، ولا معقول قبل المحسوس بحال ، بل مثل بدعة الأشياء مثل الذي يفرخ من ذاته بلا حدث ولا فعل ظهر ، فلا يزال يخرجه من القوة إلى الفعل حتى يوجد ، فيكمل ، فيحسه ويدركه. وليس شيء بمعقول البتة والعالم دائم لا يزول ، ولا يفنى ، فإن المبدع لا يجوز أن يفعل فعلا يدثر إلا هو داثر مع دثور فعله ، وذلك محال.
٣ ـ رأي زينون الأكبر (١)
زينون الأكبر ابن ماوس من أهل قنطس ، كان يقول : إن المبدع الأول كان في
__________________
ـ وقد بثّ في ثنايا أشعاره آراءه في الدين والفلسفة ، وهو بالإصلاح الديني أشد صلة منه بالفلسفة. فقد هاجم اليونان في دينهم هجوما عنيفا زعزع العقائد وزلزل الآلهة التي اتخذها اليونان. والتي صدروها في الأساطير والأشعار القديمة في صورة الشر ، فهي تمكر وتخدع وتسرق ... وقد سخر أكسنوفانس من هؤلاء الذين استباحت عقولهم أن تسيخ آلهة تولد وتموت وتضطرب مع البشر ، وهو ينحو باللائمة المرة على هومر ، وهزيود ، اللذين ساقا في شعرهما تلك الصور الشائنة للآلهة. توفي أكسنوفانس نحو ٤٨٠ ق. م. (تاريخ الفلسفة اليونانية ص ٢٧ وقصة الفلسفة ص ٤٠).
(١) زينون الأكبر : ولد في إيليا سنة ٤٨٩ ق. م. وهو تلميذ برمنيدس وكان رجلا منطقيا ذا قدرة عظيمة على ـ