وبالثاني : وجود الكائنات الفاسدات التي لا تثبت على حالة واحدة. وبالثالث : وجود المبادي والبسائط التي لا تتغير. ومن أسئلته : ما الشيء الكائن ولا وجود له؟ وما الشيء الموجود ولا كون له؟.
وإنما يعني بالأول الحركة المكانية والزمان ، لأنه لم يؤهله لاسم الوجود. ويعني بالثاني الجواهر العقلية التي هي فوق الزمان والحركة والطبيعة وحق لها اسم الوجود ، إذ لها السرمد والبقاء والدهر.
ويحكى عنه أنه قال : إن الأسطقسات (١) لم تزل تتحرك حركة مشوهة مضطربة غير ذات نظام ، وأن الباري تعالى نظمها ورتبها فكان هذا العالم. وربما عبر عن الأسطقسات بالأجزاء اللطيفة ، وقيل إنه عنى بها الهيولى الأزلية العارية عن الصور حتى اتصلت الصور والأشكال بها فترتبت وانتظمت.
ورأيت في راموز (٢) له أنه قال : إن النفوس كانت في عالم الذكر مغتبطة مبتهجة بعالمها وما فيه من الروح والبهجة والسرور ، فأهبطت إلى هذا العالم حتى تدرك الجزئيات وتستفيد ما ليس لها بذاتها بواسطة القوى الحسية. فسقطت رياشها قبل الهبوط ، فهبطت حتى يستوي ريشها وتطير إلى عالمها بأجنحة مستفادة من هذا العالم.
وحكى أرسطوطاليس عنه أنه أثبت المبادي خمسة أجناس : الجوهر ، والاتفاق ، والاختلاف ، والحركة ، والسكون. ثم فسر كلامه فقال : أما الجوهر فنعني به الوجود. وأما الاتفاق فلأن الأشياء متفقة بأنها من الله تعالى. وأما الاختلاف فلأنها مختلفة في صورها. وأما الحركة فلأن لكل شيء من الأشياء فعلا خاصا.
__________________
(١) الأسطقسات ، الواحد أسطقس : وهو الجسم الأول ، الذي باجتماعه إلى أجسام أولى مخالفة له في النوع يقال له أسطقس لها ، فلذلك قيل إنه آخر ما ينتهي إليه تحليل الأجسام فلا توجد فيه قسمة إلا إلى أجزاء متناهية.
وفي التعريفات للجرجاني : هو لفظ يوناني بمعنى الأصل ، وتسمى العناصر الأربعة (الماء والأرض والهواء والنار) أسطقسات.
(٢) الراموز : البحر العظيم لتموجه ، وقد استعمله المولدون في الأصل والنموذج.