وذلك نوع من الحركة ، لا حركة النقلة ؛ وإذا تحرك نحو الفعل وفعل فله سكون بعد ذلك لا محالة. قال : وأثبت البخت أيضا مبدأ سادسا وهو نطق عقلي ، وناموس لطبيعة الكل ، وقال جرجيس (١) : إنه قوة روحانية مدبرة للكل ، وبعض الناس يسميه جدا. وزعم الرواقيون أنه نظام لعلل الأشياء ، وللأشياء المعلولة.
وزعم بعضهم أن علل الأشياء ثلاثة : المشتري ، والطبيعة ، والبخت.
وقال أفلاطون : إن في العالم طبيعة عامة تجمع الكل ، وفي كل واحد من المركبات طبيعة خاصة ، وحد الطبيعة بأنها مبدأ الحركة والسكون في الأشياء ، أي مبدأ التغير ، وهي قوة سارية في الموجودات كلها تكون السكنات والحركات بها ، فطبيعة الكل محركة للكل ، والمحرك الأول يجب أن يكون ساكنا ، وإلا تسلسل القول فيه إلى ما لا نهاية له.
وحكى أرسطوطاليس في مقالة الألف الكبرى من كتاب «ما بعد الطبيعة» أن أفلاطون كان يختلف في حداثته إلى أقراطيلوس (٢) ، فكتب عنه ما روى عن هرقليطس (٣) : أن جميع الأشياء المحسوسة فاسدة ، وأن العلم لا يحيط بها. ثم اختلف بعده إلى سقراط ، وكان من مذهبه طلب الحدود دون النظر في طبائع المحسوسات وغيرها ، فظن أفلاطون أن نظر سقراط في غير الأشياء المحسوسة ، لأن الحدود ليست للمحسوسات ، لأنها إنما تقع على أشياء دائمة كلية ، أعني الأجناس ، والأنواع ، فعند ذلك سمى أفلاطون الأشياء الكلية صورا ، لأنها واحدة ، ورأى أن المحسوسات لا تكون إلا بمشاركة الصور. إذن كانت الصور رسوما
__________________
(١) جرجيس : هو جورجياس الفيلسوف السوفسطائي ، الذي كان يعلم البلاغة وعلم السياسة ، وكان يستعير منهج زينون من قبله في الجدل ، ويعتمد على برمنيدز في آرائه في أصل الكون. وقد وضع كتابا عنوانه «الطبيعة» أو اللاوجود.
(٢) أقراطيلوس : فيلسوف تتلمذ لهرقليطس ، وكان أحد أتباعه ، وقد أخذ عنه أفلاطون ، وقد انتهى أقراطيلوس إلى تحريم الكلام ، وكان يقتصر على تحريك اصبعه.
(٣) هيرقليطس : ولد نحو ٥٤٠ ق. م. وتوفي سنة ٤٧٥ ق. م. (انظر ص ٣٩٨ ج ٢ من هذا الكتاب).