قال : وإذا اتفقت العقلاء على أن هناك حسا ومحسوسا ، وعقلا ومعقولا ، وشاهدنا بالحس جميع المحسوسات ، وهي محدودة ومحصورة بالزمان والمكان ، فيجب أن نشاهد بالعقل جميع المعقولات ، وهي غير محدودة ومحصورة بالزمان والمكان ، فتكون مثلا عقلية.
ومما يثبته أفلاطون موجودات محققة بهذا التقسيم! قال : إنا نجد النفس تدرك أمور البسائط والمركبات ، ومن المركبات أنواعها وأشخاصها ، ومن البسائط ما هي هيولانية ، وهي التي تعرى عن الموضوع ، وهي رسوم الجزئيات ، مثل : النقطة ، والخط ، والسطح ، والجسم التعليمي.
قال : وهذه الأشياء أشياء موجودة بذواتها ، وكذلك توابع الجسم مفردة مثل : الحركة، والزمان ، والمكان ، والأشكال ؛ فإنا نلحظها بأذهاننا بسائط مرة ، ومركبة مرة أخرى ، ولها حقائق في ذواتها من غير حوامل ولا موضوعات. ومن البسائط ما ليست هي هيولانية مثل : الوجود ، والوحدة ، والجوهر. والعقل يدرك القسمين جميعا متطابقين عالمين متقابلين : عالم العقل وفيه المثل العقلية التي تطابقها الأشخاص الحسية. وعالم الحس وفيه المتمثلات الحسية التي تطابقها المثل العقلية : فأعيان ذلك العالم آثار في هذا العالم ، وأعيان هذا العالم آثار في ذلك العالم ، وعليه وضع الفطرة والتقدير ، ولهذا الفصل شرح وتقرير.
وجماعة المشائين وأرسطوطاليس لا يخالفونه في إثبات هذا المعنى الكلي ، إلا أنهم يقولون : هو معنى في العقل موجود في الذهن والكلي من حيث هو كلي لا وجود له في الخارج عن الذهن ، إذا لا يتصور أن يكون شيء واحد ينطبق على زيد وعلى عمرو ، وهو في نفسه واحد.
وأفلاطون يقول ذلك المعنى الذي أثبته في العقل يجب أن يكون له شيء يطابقه في الخارج فينطبق عليه. وذلك هو المثال الذي في العقل ، وهو جوهر لا عرض ، إذ تصور وجوده لا في موضوع ، وهو متقدم على الأشخاص الجزئية تقدم العقل على الحس ، وهو تقدم ذاتي وشرفي معا.