* وأما الفعل : فقالوا : الروحانيات هم الأسباب المتوسطون في الاختراع ، والإيجاد ، وتصريف الأمور من حال إلى حال ، وتوجيه المخلوقات من مبدإ إلى كمال ، يستمدون القوة من الحضرة القدسية ، ويفيضون الفيض على الموجودات السفلية.
فمنها مدبرات الكواكب السبعة السيارة في أفلاكها ، وهي هياكلها. فلكل روحاني هيكل. ولكل هيكل فلك ، ونسبة الروحاني إلى ذلك الهيكل الذي اختص به ، نسبة الروح إلى الجسد ، فهو ربه ومدبره ومديره. وكانوا يسمون الهياكل أربابا ، وربما يسمونها آباء. والعناصر : أمهات. ففعل الروحانيات تحريكها على قدر مخصوص ليحصل من حركاتها انفعالات في الطبائع والعناصر ، فيحصل من ذلك تركيبات وامتزاجات في المركبات. فيتبعها قوى جسمانية ، وتركب عليها نفوس روحانية مثل أنواع النبات ، وأنواع الحيوان. ثم قد تكون التأثيرات كلية صادرة عن روحاني كلي. وقد تكون جزئية صادرة عن روحاني جزئي. فمع جنس المطر ملك ، ومع كل قطرة ملك.
ومنها مدبرات الآثار العلوية الظاهرة في الجو :
مما يصعد من الأرض فينزل مثل : الأمطار ، والثلوج ، والبرد ، والرياح.
ومما ينزل من السماء مثل الصواعق ، والشهب.
ومما يحدث في الجو : من الرعد ، والبرق ، والسحاب ، والضباب ، وقوس قزح ، وذوات الأذناب ، والهالة (١) ، والمجرة (٢).
ومما يحدث في الأرض مثل الزلازل ، والمياه ، والأبخرة ، إلى غير ذلك.
ومنها متوسطات القوى السارية في جميع الموجودات ، ومدبرات الهداية الشائعة في جميع الكائنات ، حتى لا نرى موجودا ما خاليا عن قوة وهداية إذا كان قابلا لهما.
* * *
__________________
(١) الهالة : دارة القمر.
(٢) المجرّة : شرج السماء ، يقال هي بابها وهي كهيئة القبة. وفي حديث ابن عباس : المجرّة باب السماء وهي البياض المعترض في السماء والنّسران من جانبيها. (اللسان مادة جرر).