بجميع معلوماته على نعت الأسباب الكلية. كان في الأزل ولم يكن في الوجود رسم ولا طلل إلا مثالا عند الباري تعالى ، ربما يعبر عنه بالهيولى ، وربما يعبر عنه بالعنصر. ولعله يشير إلى صور المعلومات في علمه تعالى ، قال : فأبدع العقل الأول ، وبتوسطه النفس الكلية ، وقد انبعث عن العقل انبعاث الصورة في المرآة ، وبتوسطهما العنصر.
ويحكى عنه : أن الهيولى التي هي موضوع الصور الحسية غير ذلك العنصر.
ويحكى عنه : أنه أدرج الزمان في المبادي ، وهو الدهر ، وأثبت لكل موجود مشخص في العالم الحسي مثالا غير مشخص في العالم العقلي ، ويسمي ذلك : المثل الأفلاطونية (١). فالمبادئ الأول بسائط. والمثل مبسوطات. والأشخاص مركبات. فالإنسان المركب المحسوس جزئي ذلك الإنسان المبسوط المعقول ، وكذلك كل نوع من الحيوان والنبات والمعادن.
قال : والموجودات في هذا العالم آثار الموجودات في ذلك العالم ، ولا بدّ لكل أثر من مؤثر يشابهه نوعا من المشابهة. قال : ولما كان العقل الإنساني من ذلك العالم أدرك من المحسوس مثالا منتزعا من المادة معقولا ، يطابق المثال الذي في عالم العقل بكليته ، ويطابق الموجود الذي في عالم الحس بجزئيته ، ولو لا ذلك لما
__________________
(١) إن نظرية المثل الأفلاطونية تكون نقطة الانطلاق وحجر الزاوية لفلسفة أفلاطون بجملتها. وهي ناتجة عن استخدام الاستقراء السقراطي والجدل الأفلاطوني.
تحل هذه النظرية في الجمهورية المكان الأول إلى جنب الآراء السياسية بل تعدّ أشهر أجزاء الجمهورية وأبعدها أثرا.
والمثل عنده هي الحقائق الخالدة ، والصور المجردة في عالم الإله ، وهي لا تدثر ولا تفسد ولكنها أزلية أبدية ، والذي يفسد ويدثر إنما هو هذا الكائن المحسوس.
والمثال هو الموضوع الحقيقي للمعرفة ، فمعرفة الفرس مثلا لا تقوم على معرفة ما يختص به أفراد جنسه من سن وحجم ولون ، إذ أن هذه صفات تختلف باختلاف الأفراد ، بل على المفهوم المشترك بين جميع أفراد الجنس ، والذي لا يولد مع ولادة الفرد ولا يفنى بفنائه ، بل هو شيء أبدي ، تشاركه جميع الأفراد في طبيعته.