نحو من أنحاء الوجود ، إما متصلة بكلها. وإما متمايزة بذواتها وخواصها. فاتصلت بالأبدان استكمالا واستدامة ، والأبدان قوالبها وآلاتها. فتبطل الأبدان ، وترجع النفوس إلى كليتها. وعن هذا وكان يخوف بالملك الذي حبسه أنه يريد قتله ، قال : إن سقراط في حب (١) ، والملك لا يقدر إلا على كسر الحب. فالحب يكسر ويرجع الماء إلى البحر.
ولسقراط أقاويل في مسائل الحكمة العلمية والعملية.
ومما اختلف فيه فيثاغورس وسقراط : أن الحكمة قبل الحق ، أم الحق قبل الحكمة؟ وأوضح القول فيه بأن الحق أعم من الحكمة ، إلا أنه قد يكون جليا ، وقد يكون خفيا. وأما الحكمة فهي أخص من الحق؟ إلا أنها لا تكون إلا جلية. فإذن : الحق مبسوط في العالم ، مشتمل على الحكمة المستفيضة في العالم والحكمة موضحة للحق المبسوط في العالم ، والحق ما به الشيء ، والحكمة ما لأجله الشيء.
ولسقراط أيضا ألغاز ورموز ألقاها إلى تلميذه أرسجانس. وجلها في كتاب «فاذن» ونحن نوردها مرسلة معقودة :
منها قوله : عند ما فتشت عن علة الحياة ألفيت الموت ، وعند ما وجدت الموت ألفيت الحياة الدائمة.
ومنها : اسكت عن الضوضاء التي في الهواء ، وتكلم بالليالي حيث لا تكون أعشاش الخفافيش. واسدد الخمس الكوى ليضيء مسكن العلة. واملأ الوعاء طيبا ، وافرغ الحوض المثلث من القلال الفارغة ، واحبس على باب الكلام ، وامسك مع الحضرة اللجام الرخو لئلا تغضب ، فترى نظام الكواكب. ولا تؤكل
__________________
(١) الحب : الجرة الضخمة والخابية والدن.