صفة جامعة للكل. والبقاء ، والسرمد ، والدوام ، وحفظ النظام في العالم تندرج تحت كونه قيوما. والقيومية صفة جامعة للكل. وربما يقول : هو حي ناطق من جوهره ، أي من ذاته ، وحياتنا ونطقنا لا من جوهرنا ، ولهذا يتطرق إلى حياتنا ونطقنا العدم والدثور والفساد ، ولا يتطرق إلى حياته ونطقه تعالى وتقدس.
وحكى فلوطرخيس (١) في المبادي أنه قال : أصول الأشياء ثلاثة وهي : العلة الفاعلة ، والعنصر ، والصورة ، فالله تعالى هو الفاعل ، والعنصر هو الموضوع الأول للكون والفساد. والصورة جوهر لا جسم. وقال : الطبيعة أمة للنفس ، والنفس أمة للعقل ، والعقل أمة للمبدع الأول ، من أجل أن أول مبدع أبدعه المبدع الأول صورة العقل. وقال : المبدع لا غاية له ولا نهاية. وما ليس له نهاية ليس له شخص وصورة. وقال : اللانهاية في سائر الموجودات لو تحققت لكان لها صورة واقعة. ووضع وترتيب. وما تحقق له صورة ووضع وترتيب صار متناهيا. فالموجودات ليست بلا نهاية. والمبدع الأول ليس بذي نهاية ، ليس على أنه ذاهب في الجهات بلا نهاية كما يتخيله الخيال والوهم ، بل لا يرتقي إليه الخيال حتى يصفه بنهاية ولا نهاية. فلا نهاية له من جهة العقل ، إذ ليس يحده. ولا من جهة الحس ، فليس يحده. فهو ليس له نهاية ، فليس له شخص وصورة خيالية أو وجودية حسية أو عقلية، تعالى وتقدس (٢).
ومن مذهب سقراط أن النفوس الإنسانية كانت موجودة قبل وجود الأبدان على
__________________
(١) كان فيلسوفا مذكورا في عصره. وله تصانيف مذكورة بين فرق الحكماء منها كتاب «الآراء الطبيعية» ويحتوي على آراء الفلاسفة في الأمور الطبيعية وكتاب «الرياضة» وكتاب في علم النفس. (القفطي ص ١٧٠).
(٢) كان سقراط يؤمن بالقدر. فلم يكن يرى أنه مخير فيما يفعل ، بل كان يعتقد أنه مسير بوحي يملي عليه ما يقول ، ويرسم له طريق المسير ، ويطلعه على نتائج الأعمال قبل حدوثها ، وهو إنما يؤدي رسالة فرضتها عليه الآلهة ليس له عن أدائها من محيص. وقد روى أفلاطون في أحد فصوله حديثا عما حدث لسقراط من وحي. أيقن سقراط من خلاله أنه أحكم أهل زمانه حقا ، وأيقن أنه مسير لا مخير. (انظر الحديث بتوسع في قصة الفلسفة اليونانية ص ١١٢).