قال سقراط : إن الباري تعالى لم يزل هوية فقط ، وهو جوهر فقط. وإذا رجعنا إلى حقيقة الوصف والقول فيه وجدنا المنطق والعقل قاصرين عن اكتناه وصفه (١) ، وحقيقته ، وتسميته ، وإدراكه ، لأن الحقائق كلها من تلقاء جوهره. فهو المدرك حقا ، والواصف لكل شيء وصفا ، والمسمّي لكل موجود اسما. فكيف يقدر المسمى أن يسميه اسما؟ وكيف يقدر المحاط أن يحيط به وصفا؟ فنرجع فنصفه من جهة آثاره وأفعاله. وهي أسماء وصفات ، إلا أنها ليست من الأسماء الواقعة على الجوهر ، المخبرة عن حقيقته. وذلك مثل قولنا إله ، أي واضع كل شيء. وخالق أي مقدر كل شيء. وعزيز أي ممتنع أن يضام. وحكيم أي محكم أفعاله على النظام ، وكذلك سائر الصفات.
وقال : إن علمه ، وقدرته ، وجوده ، وحكمته بلا نهاية. ولا يبلغ العقل أن يصفها. ولو وصفها لكانت متناهية. فألزم عليه : إنك تقول إنها بلا نهاية ولا غاية ، وقد نرى الموجودات متناهية! فقال : إنما تناهيها بحسب احتمال القوابل ، لا بحسب القدرة ، والحكمة ، والجود. ولما كانت المادة لم تحتمل صورا بلا نهاية ، فتناهت الصور لا من جهة بخل في الواهب ؛ بل لقصور في المادة. وعن هذا اقتضت الحكمة الإلهية أنها وإن تناهت ذاتا وصورة ، وحيزا ومكانا ، إلا أنها لا تتناهى زمانا في آخرها إلا من نحو أولها ، وإن لم يتصور بقاء شخص ؛ فاقتضت الحكمة استبقاء الأشخاص ببقاء الأنواع. وذلك بتجدد أمثالها ، ليستحفظ الشخص ببقاء النوع ، ويستبقي النوع بتجدد الأشخاص ، فلا تبلغ القدرة إلى حد النهاية ، ولا الحكمة تقف على غاية.
ثم إن من مذهب سقراط أن أخص ما يوصف به الباري تعالى هو كونه حيا قيوما ، لأن العلم والقدرة ، والجود ، والحكمة تندرج تحت كونه حيا. والحياة
__________________
(١) يؤمن سقراط بأن للعالم إلها واحدا ، لا يمكن للعقل أن يدركه ، ولا تنطبق المعرفة اليقينية عليه ، فهو أزلي أبدي ، وتطبيق الزمان والمكان عليه يجعله حادثا ، فعرفاننا به إنما يكون بآثاره وأفعاله. كما أنه يعتقد أن هناك حياة ثانية ، وهذه العقيدة وجد فيها شفاء من القلق ونجاة من الشك وصيانة من الظلم.