العقل ، ولم يكن فوق العقل فاتح إلا الهداية الإلهية ، فبالحري أن يكون المستعين بصريح العقل في كافة المصارف مشهودا له بفطنة الاكتفاء بمولاه ، ؛ وأن يكون التابع لشهوة البدن، المنقاد لدواعي الطبيعة ، المواتي لهوى النفس بعيدا من مولاه ، ناقصا في رتبته.
٦ ـ رأي سقراط (١)
سقراط بن سفرنيسقوس الحكيم الفاضل الزاهد من أهل أثينية ، وكان قد اقتبس الحكمة من فيثاغورس (٢) وأرسالاوس ، واقتصر من أصنافها على الإلهيات والأخلاقيات ، واشتغل بالزهد ورياضة النفس ، وتهذيب الأخلاق ، وأعرض عن ملذات الدنيا ، واعتزل إلى الجبل وأقام في غاربه.
ونهى الرؤساء الذين كانوا في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان ، فثوروا عليه الغاغة (٣) ، وألجئوا ملكهم إلى قتله. فحبسه الملك ثم سقاه السم ؛ وقضيته معروفة.
__________________
(١) ولد سقراط في أثينا نحو سنة ٤٦٩ ق. م. وتوفي نحو ٣٩٩ ق. م. ونحن نكاد لا نعرف عن حياته شيئا لو لا بعض ما رواه خصومه والمعجبون به. وقد اشتهر بنزاهته ورسوخ عقيدته. كما اشتهر بتجرعه السمّ في سبيل تلك العقيدة. وهو يعد من المثل الإنسانية العليا ، ومن النفوس السامية التي قلما يجود التاريخ بمثلها.
ليس لدينا من آثاره شيء لأنه لم ينصرف إلى التدوين بل قضى حياته ناثر أفكار ، وباذر آراء ، ومبشرا استحق اللقب الشهير «أبو الفلسفة».
(٢) ما ذهب إليه الشهرستاني ، من أن سقراط اقتبس الحكمة من فيثاغورس ، وما ذهب إليه القفطي من أنه كان من تلاميذ فيثاغورس ، يظهر منه أنه عاصر فيثاغورس ، وأخذ منه ، ولكن الواقع أن فيثاغورس توفي نحو ٤٩٧ ق. م. وسقراط ولد نحو ٤٦٩ ق. م.
والظاهر أنه لما كان لسقراط وصايا شريفة وآداب فاضلة ، وحكم مشهورة ومذاهب في الصفات قريبة من مذاهب فيثاغورس ، فقد ذهب الشهرستاني إلى أن حكمته مقتبسة منه ، كما ذهب القفطي أنه من تلاميذه.
(٣) الغاغة : الغوغاء. وأصل الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ثم استعير للسفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر.