خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا استقذره احد رآه ولا استوحش منه احد شاهد ولا تدوّد شيء من جسده ، وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه وانما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر امره لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد والفرج. وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الامثل فالأمثل وانما ابتلاه الله عزوجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية اذا شاهدوا ما اراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على ان الثواب من الله تعالى على ضربين استحقاق واختصاص ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا انه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء وهو عزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في افعاله لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم ولا قوة لهم الّا به. انتهى.
قوله صلىاللهعليهوآله : اعظم الناس بلاء الأنبياء. ومن ذلك العظم الضرّ بالضم قال عز من قائل : وأيوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين. اذ الضر بالفتح الضر في كل شيء ، وبالضم الضرر في النفس. ذكره في الكشاف.
قال علم الهدى في تنزيه الأنبياء : فان قيل أفتصحّون ما روي من ان الجذام اصابه حتى تساقطت أعضاؤه؟ قلنا : اما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شيء منها على الأنبياء عليهمالسلام لأن النفور ليس بواقف على الامور القبيحة بل قد يكون من الحسن والقبح معا وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليهالسلام واوجاعه ومحنه في جسمه ثم في اهله وماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والالم على ما ينال المجذوم وليس ينكر تزايد الألم فيه عليهالسلام وانما ينكر ما اقتضى التنفير.
قال في مجمع البيان عند قوله سبحانه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران ١٥٩) :
في هذه الآية دلالة على اختصاص نبيّنا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، ومن عجيب امره صلىاللهعليهوآله انه كان اجمع الناس لدواعي الترفّع ثم كان ادناهم الى التواضع وذلك انه كان اوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا واسخاهم واشجعهم وازكاهم وافصحهم وهذه كلّها من دواعي الترفع. ثم كان من تواضعه انه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمار ويعلف الناضح