والجواب أن الطبيعة ما لم تقتض لذاتها شيئا كأين ما مثلا لا تحرك الجسم الى حصول ذلك الشيء فكون ذلك الشيء مقتضاها امر ثابت دال على وجود ذلك الشيء لها بالقوة وشعور ما لها به قبل وجوده بالفعل فهو العلة الغائية لفعلها. انتهى.
اقول : الحق ان الطبائع لها غايات وكل طبيعة تحبّ بقائها وتعرج الى كمالها والكل تسعى الى غاية الغايات ومبدأ المبادئ الله رب العالمين ونعم ما قال صاحب الحكمة المنظومة :
وكل شيء غاية مستتبع |
|
حتى فواعل هي الطبائع |
وفي الاسفار أن الله تعالى قد جعل لواجب حكمته في طبع النفوس محبة الوجود والبقاء وجعل في جبلّتها كراهة الفناء والعدم وهذا حق لأن طبيعة الوجود خير محض ونور صرف وبقائه خيرية الخير ونورية النور (ج ٤ ط ١ ص ١٦٣) بل افاد الشيخ المعظم في الاوّل من ثانية نفس الشفاء أنّ حبّ الدوام امر فائض من الاله على كل شيء (ج ١ ط ١ ص ٢٩٤).
اقول ومما ينادى بأعلى صوتها أن الطبيعيات أيضا لها غايات هي وحدة النظام الحاكية عن وحدة الصنع والتدبير الدالّة على أن الحياة والشعور سارية في الكلّ وينتهي الأمر إلى أنّ الوجود المطلق الحق القيّوم هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وان الخلق هو الموجود المقدّر القائم به قيام الفعل بفاعله والكلام بمتكلّمه وأن ما نزل من الموجودات من الصقع الربوبي ما نزل بكليته بل ملكوته بيده سبحانه وتعالى. وعليك بالتدبر فيما نتلوه عليك من منطق الوحي وبيان السنة تراجمه :
الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى (الاعلى ٣ و ٤).
قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى (طه ٥١).
وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضّل بعضها على بعض في الاكل ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون (رعد ٥).
الباب السادس والثلاثون من توحيد الصدوق في الرد على الثنوية والزنادقة باسناده عن هشام بن الحكم قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما الدليل على أن الله واحد؟ قال : اتصال التدبير وتمام الصنع ، كما قال عزوجل : لو كان فيهما آلهة الّا الله لفسدتا.
وفي توحيد المفضل : يا مفضل ان اسم هذا العالم بلسان اليونانيّة الجاري المعروف عندهم قوسموس وتفسيره الزينة. وكذلك سمته الفلاسفة ومن ادعى الحكمة فكانوا يسمّونه بهذا الاسم إلا لما رأوا فيه من التقدير والنظام فلم يرضوا أن يسموه تقديرا ونظاما حتى سمّوه زينة ليخبروا انه مع ما هو عليه من الصواب والاتقان على غاية الحسن والبهاء (بحار ج ٢ ط ١ ص ٤٥).