ولما عاد إلى بلاده أعاد «سيف الدولة» عين زربه (١) إلى بعض ما كانت ، وظنّ أنّ الدمستق لا يعود إلى البلاد في العام فلم يستعدّ (٢) ، فبينا هو غافل وإذا بالدّمستق قد دهمه ونازل حلب ومعه ابن أخت الملك ، فخرج إليه وحاربه ، والدمستق في مائتي ألف بالرّجّالة وأهل إحصار ، فلم يقو به سيف الدولة وانهزم في نفر يسير.
وكانت داره بظاهر حلب ، فنزلها الدمستق وأخذ منها ثلاثمائة وتسعين بدرة دراهم ، وألفا وأربع مائة بغل ، ومن السلاح ما لا يحصى ، فنهبها ثم أحرقها ، وملك ربض حلب. وقاتله (٣) أهل حلب من وراء السور ، فقتلوا جماعة من الروم ، فسقطت ثلمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم ، فأكبّت الروم على تلك الثلمة ، فدافع المسلمون عنها ، فلما كان الليل بنوها ، ولما أصبحوا صعدوا عليها وكبّروا ، فعدل الروم عنها إلى جبل جوشن (٤) فنزلوا به ، ومضى رجّالة الشّرط بحلب إلى بيوت الناس فنهبوها ، فقيل لمن على السّور : الحقوا منازلكم ، فنزلوا وأخلوا السّور ، فسوّرته الروم ونزلوا ففتحوا الأبواب ودخلوها ، فوضعوا السيف في الناس حتى كلّوا وملّوا ، وسبوا أهلها وأخذوا ما لا يحصى ، وأخربوا الجامع ، وأحرقوا ما عجزوا عن حمله ، ولم ينج إلّا من صعد القلعة.
ثم ألحّ ابن أخت الملك في أخذ القلعة ، حتى أنه أخذ سيفا وترسا وأتى إلى القلعة ، ومسلكها ضيّق لا يحمل أكثر من واحد ، فصعد وصعدوا خلفه. وكان في القلعة جماعة من الدّيلم ، فتركوه حتى قرب من الباب
__________________
= ١٨٠ ، الكامل في التاريخ لابن الأثير ـ ج ٨ / ٥٣٨ و ٥٣٩ ، العيون والحدائق في أخبار الحقائق لمؤرخ مجهول ـ ج ٤ ق ٢ / ٢١٨ تحقيق نبيلة عبد المنعم داود ـ بغداد ١٩٧٣ (حوادث سنة ٣٥٠ ه.) ، مرآة الجنان لليافعي ٢ / ٣٤٦ ، البداية والنهاية لابن كثير ١١ / ٢٣٩.
(١) في الأصل «رزنه».
(٢) في الأصل «يستبعد».
(٣) في الأصل «وقافلة».
(٤) بالفتح ثم السكون وشين معجمة ونون : جبل مطلّ على حلب في غربيّها. (معجم البلدان ٢ / ١٨٦).