فأمّا الفرس فإنّهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثني عشر شهرا ، وأيامها ثلاثمائة وستون يوما ، ولقّبوا الشهور اثني عشر لقبا ، وسمّوا الأيام بأسامي ، وأفردوا الأيام الخمسة الزائدة وسمّوا المشرقة ، وكسبوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرا ، فلما انقرض ملكهم بطل ذلك. وذكر كلاما طويلا حاصله تعجيل الخراج وحساب أيام الكسر.
* * *
قال «ثابت بن سنان» (١) : ودخلت الروم عين زربه (٢) مع الدّمستق في مائة وستين ألفا ، وهي في سفح جبل مطلّ عليها ، فصعد بعض جيشه الجبل ، ونزل هو على بابها ، وأخذوا في نقب الصّور ، فطلبوا الأمان ، فأمّنهم ، وفتحوا له ، فدخلها وقدّم جيشا منهم ، ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع. فلما أصبح بثّ رجاله ـ وكانوا ستين ألفا ـ فكلّ من وجدوه في منزله قتلوه ، فقتلوا عالما لا يحصى ، وأخذوا جميع ما كان فيها. وكان من جملة ما أخذوا أربعون ألف رمح. وقطع ـ لعنة الله ـ من حوالي البلد أربعين ألف نخلة (٣) ، وهدم البيوت وأحرقها. ونادى : من كان في الجامع فليذهب حيث شاء ، ومن أمسى فيه قتل ، فازدحم الناس في أبوابه ، ومات جماعة ومرّوا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون أين يذهبون ، فماتوا في الطّرقات جوعا وعطشا ، وأخرب السّور والجامع ، وهدم حولها أربعة وخمسين حصنا ، أخذ منها بالأمان جملة ومنها بالسيف. انتهى قول «ثابت» (٤).
__________________
(١) هو : ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابيء الحرّاني. كان مختصّا بخدمة الخليفة الراضي (٣٢٢ ـ ٣٢٩ ه ـ. ٩٣٤ ـ ٩٤٠ م). بارعا بالطبّ ، تولّى تدبير المارستان في بغداد ، وخدم عددا من الخلفاء بعد الراضي ، وتوفي سنة ٣٦٥ ه. وضع عدّة كتب في التاريخ ، نقل عنها ابن العديم الحلبي في بغية الطلب.
(٢) عين زربه : عين زربى : بفتح الزاي ، وسكون الراء ، وباء موحّدة ، وألف مقصورة. بلد بالثغر من نواحي المصّيصة. (معجم البلدان ٤ / ١٧٧) وضبطها اليافعي بضم الزاي وسكون الراء وفتح الموحّدة. (مرآة الجنان ٢ / ٣٤٦).
(٣) في «تجارب الأمم» لمسكويه ـ ج ٢ / ١٩٠ : (نحو خمسين ألف نخلة).
(٤) قارن مع : تجارب الأمم لمسكويه ـ ج ٢ / ١٩٠ و ١٩١ ، تكملة تاريخ الطبري للهمداني ـ ص=