لمواد على مواد أخرى ليست من بابتها ، هذا كله وغيره يفيد أن هذا العمل بعيد ان يقع على يد رجل معجمى ناضج كأَبى عمرو.
وهكذا لم يكتب لكتاب من هذه الكتب الثلاثة : كتاب الجيم للنضر ، وكتاب الجيم لأَبى عمرو الشيبانى ، وكتاب الجيم لشمر ، أَن يحمل فى طياته ما يكشف السر عن منهج تأْليفه ، ولا عن العلة فى تسميته ، اللهم إِلا تلك العبارة القصيرة التى رواها الأَزهرى عن أَبى بكر الإِيادى ، من أَن الفكرة فيه أَن يؤسس على الحروف المعجمة ، وأَن شمر بن حمدويه اختار الجيم رمزا لذلك.
ولكن بقى أَن نسأَل : لم اختير الجيم ، وليس أَول حرف معجم ، بل يسبقه الباء والتاء والثاء؟ وقد نقول : إِن اختيار أَى حرف من هذه الثلاثة ـ أَعنى الباء أَو التاء أَو الثاء ـ عنوانا لكتاب ، لا شك يجر إِلى لبس ، ولإِزالة هذا اللبس لا بد من أَن تصحب العنوان كلمة مبينة ، فنقول مثلا مع الباء : بموحدة تحتية ، ومع التاء : بمثناة فوقية ، ومع الثاء : بمثلثة. وذكر مثل هذا يثقل العنوان لا شك ، لذا كان العدول عما فيه لبس إِلى ما ليس فيه لبس ، فاختير الجيم لذلك.
ولكن الأمر ليس فيما أَرى على هذا جاء ، بل مما لا شك فيه أَنه كانت ثمة فكرة وراءَ هذا العمل ، تكاد تكون أشبه بالفكرة التى أَملت على الخليل كتابه العين ، فنحن نعلم أَن الخليل اتخذ لكتابه العين نظاما جعله أَساسا فى ترتيبه ، وهذا الأَساس هو سوقه الحروف على حسب مخارجها ، مبتدئا بأَبعدها فى الحلق مخرجا ، ومنتهيا بما كان مخرجه من الشفتين ، وعلى هذا جاءت حروف العين مرتبة على هذا النسق : ع ، خ ، ه ، ح ، غ ، ق ، ك ، ج ، ش ، ض ، ص ، س ، ز ، ط ، ت ، د ، ظ ، ذ ، ث ، ر ، ل ، ن ، ف ، ب ، م ، و ، ى ، ا.
وهذا الترتيب للحروف على حسب المخارج التى ارتضاها الخليل يخالفه فيه غيره ، فمنهم من بدءوا بالحروف الجوفيه ، وهى : الألف ، ثم الواو الساكنه