الاكتساب فيها مزيدا ، فأما الست الخلقية فلا شك فى حضورها ، ولا تتصور المجاحدة فى وجودها : الأولى : البلوغ ـ فلا تنعقد الإمامة لصبى لم يبلغ ؛ الثانية : العقل ـ فلا تنعقد لمجنون ، فإن التكليف ملاك الأمر وعصامه ، ولا تكليف على صبىّ ومجنون ؛ الثالثة : الحرية ـ فلا تنعقد الإمامة لرقيق ، فإن منصب الإمامة يستدعى استغراق الأوقات فى مهمات الخلق ، فكيف ينتدب لها من هو كالمفقود فى حق نفسه الموجود لمالك يتصرف تحت تدبيره وتسخيره! كيف وفى اشتراط نسب قريش ما يتضمن هذا الشرط ، إذ ليس يتصور الرق فى نسب قريش بحال من الأحوال. الرابعة : الذكورية ـ فلا تنعقد الإمامة لامرأة وإن اتصفت بجميع خلال الكمال وصفات الاستقلال. وكيف تترشّح امرأة لمنصب الإمامة ، وليس لها منصب القضاء ، ولا منصب الشهادة فى أكثر الحكومات! الخامسة : نسب قريش لا بد منه لقوله صلىاللهعليهوسلم : الأئمة من قريش ، واعتبار هذا مأخوذ من التوقيف ومن إجماع أهل الأعصار الخالية على أن الإمامة ليست إلا فى هذا النسب ، ولذلك لم يتصدّ لطلب الإمامة غير قرشى فى عصر من الأعصار مع شغف الناس بالاستيلاء والاستعلاء وبذلهم غاية الجهد والطاقة فى الترقى إلى منصب العلى ، ولذلك لما هم المخالفون بمصر (١) لطلب هذا الأمر ادّعوا أولا لأنفسهم الاعتزاء إلى هذا النسب ، علما منهم بأن الخلق متطابقون على اعتقادهم لانحصار الإمامة فيهم. السادسة : سلامة حاسّة السمع والبصر ـ إذ لا يتمكن الأعمى والأصمّ من تدبير نفسه ، فكيف يتقلد عهدة العالم! ولذلك لم يستصلحا لمنصب القضاء ، وأضاف مصنّفون إلى
__________________
(١) المخالفون بمصر : أى الفاطميون ؛ إذ ادعى مؤسس دولتهم «أبو محمد عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون» أنه من نسل الإمام على. قال أبو الفداء فى تاريخه : «وقد اختلف العلماء فى صحة نسبة فقال القائلون بإمامته إن نسبه صحيح ولم يرتابوا فيه ، وذهب كثير من العلويين العالمين بالأنساب إلى موافقتهم أيضا .. وذهب آخرون إلى أن نسبهم مدخول ليس بصحيح. وبالغت طائفة منهم إلى أن جعلوا نسبهم فى اليهود فقالوا : لم يكن اسم المهدى : عبيد الله ، بل كان اسمه سعيد بن أحمد بن عبد الله القداح بن ميمون بن ديصان ..» (تاريخ أبى الفداء ج ٢ ص ٦٧ ـ ٦٨. طبعة استانبول سنة ١٢٨٦ ه) ، ولقد شغل هذا النزاع حيزا كبيرا فى التاريخ ، وطائفة كبيرة من النسابين ، ويذكر أن المعز لدين الله عند دخوله مصر سئل عن نسبه وحسبه ، فحسب سيفه من غمده إلا قليلا وقال : هذا حسبنا ، ثم نثر دنانير الذهب على الناس وقال : وهذا نسبنا.