وبالعكس ، وقد يورد ذلك في صورة كلام غدي وأمسي ، فيقال الكلام الذي أتكلم به غدا ليس بصادق أو لا شيء مما أكلم به غدا بصادق خارجية ، ثم يقتصر في الغد على قوله ذلك الكلام الذي تكلمت به أمس صادق ، فإن صدق كل من الكلام الغدي والأمسي يستلزم عدم صدقهما وبالعكس ، وهذه مغلطة تحير في حلها عقول العقلاء وفحول الأذكياء، ولهذا سميتها مغلطة جذر الأصم (١) ، ولقد تصفحت الأقاويل فلم أظفر بما (٢) يروي الغليل (٣) ، وتأملت كثيرا ، فم يظهر إلا أقل من القليل (٤) ، وهو أن الصدق أو الكذب كما يكون حالا للحكم أي للنسبة الإيجابية أو السلبية على ما هو اللازم في جميع القضايا ، قد يكون حكما أي محكوما به محمولا على الشيء بالاشتقاق كما في قولنا هذا صادق ، وذاك كاذب ، ولا يتناقضان إلا إذا اعتبرا حالين لحكم واحد ، أو حكمين على موضوع واحد بخلاف ما إذا اعتبر أحدهما حالا للحكم ، والآخر حكما لاختلاف المرجح اختلافا جليا. كما في قولنا : السماء تحتنا .. صادق أو كاذب أو خفيا .. كما في الشخصية التي هي مناط المغلطة ، فأما إذا فرضناها كاذبة لم يلزم إلا صدق نقيضها ، وهو قولنا هذا الكلام صادق ، فيقع (٥) الصدق حكما للشخصية لا حالا لحكمها ، وإنما حال حكمها الكذب على ما فرضنا ، والصدق حال للنسبة الإيجابية التي هي حكم النقيض وحكم للشخصية التي هي الأصل ، فلم يجتمعا حالين لحكم ولا حكمين لموضوع وكذا إذا فرضناها صادقة ، وحينئذ فلعل المجيب يمنع تناقض الصدق والكذب المتلازمين بناء على رجوع أحدهما إلى حكم الشخصية والآخر إلى موضوعها. لكن الصواب عندي في هذه القضية ترك الجواب والاعتراف بالعجز عن حل الإشكال.
الخامس : لو كان الفعل حسنا أو قبيحا لذاته لزم قيام العرض بالعرض وهو باطل باعتراف الخصم وبما مرّ من الدليل ، وجه اللزوم أن حسن الفعل مثلا أمر زائد عليه ،
__________________
(١) جذر الأصم : (هو الكسر الذي لا يمكن النطق به).
(٢) في (ب) إلا بدلا من (بما).
(٣) في (ب) أقل القليل بدلا من (القليل).
(٤) سقط من (ب) من وتأملت إلى قوله : القليل).
(٥) في (ب) فيمتنع بدلا من (فيقع).