الشيخ كيف والقضاء القدر ساقنا ، فقال ويحك لعلك ظننت قضاء (١) لازما ، وقدرا حتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان ، وجنود الشياطين وشهود الزور ، وأهل العمي عن الصواب ، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها. إن الله أمر تخييرا ونهى تحذيرا ، وكلف يسيرا ، لم يعص مغلوبا ، ولم يطع مستكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. فقال الشيخ وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما؟ قال : هو الأمر من الله والحكم ثم تلا قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٢) وعن الحسن بعث الله تعالى محمدا إلى العرب وهم قدرية يحملون ذنوبهم على الله وتصديقه قوله تعالى (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) (٣).
قلنا ما ذكر لا يدل إلا على أن القول بأن فعل العبد إذا كان بقضاء الله تعالى وقدره وخلقه وإرادته يجوز للعبد الإقدام عليه ، ويبطل اختياره فيه ، واستحقاقه للثواب والعقاب والمدح والذم عليه قول المجوس فلينظر أن هذا قول المعتزلة أم المجبرة ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ومن وقاحتهم أنهم يروجون باطلهم بنسبته إلى مثل أمير المؤمنين علي وأولاده رضي الله عنهم. وقد صح عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة ، فقال «ليس منا من لم يؤمن بالقدر خيره وشره» وأنه حين أراد حرب الشام قال : «شمرت عن ثوبي ودعوت قنبرا» :
قدم لوائي لا تؤخر حذرا |
|
لن يرفع الحذار ما قد قدرا |
وأنه قال لمن قال إني أملك الخير والشر والطاعة والمعصية «تملكها مع الله أو تملكها بدون الله ، فإن قلت أملكها مع الله فقد ادعيت أنك شريك الله ، وإن قلت أملكها
__________________
(١) في (ب) طبعت بدلا من (ظننت).
(٢) سورة الإسراء آية رقم ٢٣.
(٣) سورة الأعراف آية رقم ٢٨ وقد جاءت هذه الآية محرفة في الأصل حيث جاءت (فإذا) بدلا من (وإذا).