وجليل لما فهتم بما فهتم به من إشعاركم الله بإيمانكم وطاعتكم له. وقوله تعالى في الآية (١٧) (١) (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) (٢) أي يمّن أولئك الأعراب عليك يا رسولنا إيمانهم إذ قالوا آمنا بك ولم نقاتلك كما فعل غيرنا قل لهم (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) واضرب عن هذا وقل لهم (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم الإيمان ، فالمنة لله عليكم لا أن تمنوا أنتم على رسوله. وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ (٣) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي كل ما غاب في السموات وما غاب في الأرض من سانح في السماء وسابح في الماء وسارح في الغبراء فليس في حاجة أن تعلموه بدينكم وتمنونه على رسوله صلىاللهعليهوسلم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من عمل قلّ أو كثر خفيّ أو ظهر فاعلموا هذا وتأدبوا مع الله وأحسنوا الظن فيه تنجو من هلاك لازم لمن أساء الظن بالله وأساء الأدب مع رسول الله.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان طبيعة أهل البادية وهي الغلظة والجفاء والبعد عن الكياسة والأدب.
٢ ـ بيان الفرق بين الإيمان والإسلام إذا اجتمعا فالإيمان من أعمال القلوب والإسلام من أعمال الجوارح. وإذا افترقا فالإيمان هو الإسلام ، والإسلام هو الإيمان والحقيقة هي أنه لا يوجد إيمان صحيح بدون إسلام صحيح ، ولا إسلام صحيح بدون إيمان صحيح ، ولكن يوجد اسلام صوري بدون إيمان ، وتوجد دعوى إيمان كاذبة غير صادقة.
٣ ـ بيان المؤمنين حقا وهم الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم.
٤ ـ بيان حكم المنّ وأنه مذموم من الإنسان ومحمود من الرحمن عزوجل وحقيقة المن هي عد النعمة وذكرها للمنعم عليه وتعدادها المرة بعد المرة.
٥ ـ بيان إحاطة علم الله بسائر المخلوقات ، وأنه لا يخفى عليه من أعمال العباد شيء.
__________________
(١) (يَمُنُّونَ) إشارة إلى قولهم جئناك بالأثقال والعيال كما تقدم في التفسير.
(٢) (أَنْ أَسْلَمُوا) حرف الجر محذوف الأصل ، بأن أسلموا أي : إسلامهم.
(٣) ذيل الكلام بهذه الجملة (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) الخ ليعلموا أن الله لا يكتم وأنه لا يكذب عليه لعلمه بالغيوب كلها ، وفي هذا تقويم لأخلاقهم وتربية وتأديب لهم.