أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) أي تضرب وتقتل كما تشاء ولا تخاف عقوبة ذلك (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) الذين يصلحون بين المتخاصمين قال الإسرائيلي هذا لأنه جبان وخاف من هجمة موسى ظانا أنه يريده هو لما قدم له من القول (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) فلما سمع القبطي ما قال مقاتله الإسرائيلي نقلها إلى القصر وكان من عماله فاجتمع رجال القصر برئاسة فرعون يتداولون القضية وينظرون إلى ظروفها ونتائجها وما يترتب عليها وكان من جملة رجال المؤتمر مؤمن آل فرعون (١) (حزقيل) وكان مؤمنا يكتم إيمانه فأتى موسى سرا ليخبره بما يتم حياله وينصح له بالخروج من البلاد وهو ما جاء في قوله تعالى في الآية (٢٠) من هذا السياق (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) من أبعدها فان قصر الملك كان في طرف المدينة وهي مدينة فرعون (منف) (يَسْعى) فمشي بسرعة وجد وانتهى إلى موسى فقال (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) قال تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها) أي من بلاد فرعون (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) خائفا من القتل يترقب الطلب وما ذا سيحدث له من نجاة أو خلافه ودعا ربه عزوجل قائلا :
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي من فرعون وملائه أولا ومن كل ظالم ثانيا.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ شكر النعم ، فموسى لما غفر الله تعالى له شكره بأن تعهد له أن لا يقف إلى جنب مجرم (٢) أبدا.
٢ ـ سوء صحبة الأحمق الغوى فإن الإسرائيلي لغوايته وحمقه هو الذي سبب متاعب موسى.
٣ ـ لزوم إبلاغ الدولة عن أهل الفساد والشر في البلاد لحمايتها.
٤ ـ وجوب النصح وبذل النصيحة فمؤمن آل فرعون يعلم سلامة موسى من العيب ومن الجريمة فتعين له أن ينصح موسى بمغادرة البلاد لينجو إن شاء الله وليس هذا من باب خيانة البلاد والدولة ، لأن موسى من أهل الكمال وما حدث عنه كان من باب الخطأ فرفده ومد إليه اليد إنقاذا من موت متعين.
__________________
(١) وقيل : اسمه شمعان ، وقال الدارقطني : لا يعرف شمعان بالشين إلا مؤمن آل فرعون ، قال الثعلبي : كان ابن عم فرعون.
(٢) روي عن عطاء ، قيل له : إنّ أخا لي يأخذ بقلمه وإنما يحسب ما يدخل وما يخرج وله عيال ولو ترك ذلك لاحتاج وأدّان فقال : من الرأس؟ قال : خالد بن عبد الله القسري : قال : أما تقرأ ما قال العبد الصالح : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) وقال عطاء : فلا يحل لأحد أن يعين ظالما ولا يكتب له ولا يصحبه ، وإنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين ، وفي الحديث : (ينادي مناد يوم القيامة : أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى بهم في جهنم) لاق الدواة : أصلحها.