(حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) : أي باطله عند ربهم.
(وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) : أي من الله ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
معنى الآيات :
قوله تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) (١) أي فإلى ذلك الدين الحق الذى هو الإسلام الذى شرعه الله لكم ووصى به نوحا وأوحاه اليك فادع جميع الناس عربهم وعجمهم فإنه دين الله الذى لا يقبل دينا سواه ، ولا يكمل الإنسان في أخلاقه ومعارفه وأدابه ولا يسعد فى الدارين إلا عليه واستقم (٢) عليه (٣) كما أمرك ربك ، فلا تزغ عنه ولا تعدل به غيره فإنه الصراط المستقيم الذى لا يزيغ عنه الا هالك ولا تتبع أهواء المشركين ولا أهواء أهل الكتاب. وقل فى صراحة ووضوح آمنت بما أنزل الله من كتاب فلا أومن ببعض وأكفر ببعض كما أنتم عليه معشر اليهود والنصارى ، وقل لهم أمرنى ربى أن أعدل (٤) بينكم فى الحكم إذا تحاكمتم إليّ ، كما أنى لا أفرق بينكم إذ اعتبركم على الكفر سواء فكل من لم يكن على الإسلام الذى كان عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والذى عليه انا واصحابى اليوم فهو كافر من أهل النار.
وقوله تعالى (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي أمرنى أن أقول لكم هذا الله ربنا وربكم إذ لا رب سواه فهو رب كل شيء ومليكه ، لنا أعمالنا ولكم اعمالكم (٥) وسيجزى كل منا بعمله السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها ، إلا أن الكافر لا تكون له حسنة ما دام قد كفر بأصل الدين فلم يؤمن بالله ولقائه ، ولا بوحيه ولا برسوله وقوله (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) أي اليوم إذ ظهر الحق ولاح الصبح لذي عينين فلا داعى إلى الجدال والخصومة معكم يا أهل الكتابين من يهود ونصارى الله يجمع بيننا يوم القيامة إذ المصير فى النهاية إليه لا إلى غيره وسوف يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه فيقضى لأهل الحق بالنجاة من النار ودخول الجنة ويقضى لأهل الباطل بالنار والخلود فيها.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي (٦) اللهِ) أي في دين الله النبى والمؤمنين يريدون أن يردوهم
__________________
(١) قال القرطبي اللام هنا بمعنى إلى وله نظائر مثل بأن ربك أوحى لها أي إليها وأولى أن تكون اللام للتعليل أي لأجل ما ذكر من الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه فادع.
(٢) الاستقامة الاعتدال والسين والتاء فيها للمبالغة مثل أجاب استجاب والمراد هنا الاستقامة المعنوية وهي ملازمة الآداب الرفيعة والأخلاق الفاضلة والتمسك بأهداب الشريعة.
(٣) كما أمرت هذه الكاف كالتي في قوله تعالى واذكروه كما هداكم أعطيت معنى التقليل مثل كما صليت على ابراهيم وما في التفسير أولى من هذا فإن المراد على نحو ما أمرك لا تخالفه.
(٤) هذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فقد نصر الله رسوله وحكم اليهود وعدل بينهم وذلك في المدينة وخيبر تيماء والآية نزلت بمكة.
(٥) هذه صور من صور الإنصاف والعدل.
(٦) قال مجاهد في قوله تعالى والذين يحاجون في الله الآية قال هؤلاء رجال طمعوا أن تعود الجاهلية بعد ما دخل الناس في الإسلام. وقيل إنهم اليهود والنصارى والكل جائز ويقع وواقع وما في التفسير أوضح وأصح.