وقوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى (١) الْمُشْرِكِينَ) من كفار قريش (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أي عظم عليهم ولم يطيقوا حمله ما تدعوهم إليه من عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام ، إذا فادعهم واصبر على اذاهم والله يجتبى اليه أي يختار للإيمان به وعبادته من يشاء ممن لا يصرون على الباطل ، ولا يستكبرون عن الحق إذا عرفوه ، ويهدى إليه أي ويوفق لطاعته من من شأنه الإنابة والرجوع إلى ربّه فى أموره كلها.
وقوله تعالى : (وَما تَفَرَّقُوا) (٢) أي وما تفرق العرب واليهود والنصارى في دين الله فآمن بعض وكفر بعض الأمن بعد ما جاءهم العلم الصحيح يحمله القرآن الكريم ونبيّه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. والحامل لهم على ذلك هو البغي والحسد. وقوله ولو لا كلمة سبقت من ربك وهو عدم معالجة هذه الأمة المحمدية بعذاب الإبادة والاستئصال ، وترك عذابهم إلى يوم القيامة لو لا هذا لعجل لهم العذاب من أجل اختلافهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين. وهو معنى قوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ (٣) سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي فرغ منهم بالفصل بينهم بإهلاك الكافرين وانجاء المؤمنين.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) (٤) أي من بعد اليهود والنصارى وهم العرب إذ أنزل الله فيهم كتابه القرآن الكريم لفى شك منه أي من القرآن والنبى والدين الإسلامي مريب أي بالغ الغاية في الريبة والاضطراب النفسى ، كما ان اللفظ يشمل اليهود والنصارى إذ هم أيضا ورثوا الكتابين عمن سبقهم وأنهم فعلا في شك من القرآن ونبيّه والإسلام وشرائعه.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ دين الله واحد وهو الإيمان والاستقامة على طاعة الله وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم.
٢ ـ حرمة الاختلاف فى دين الله المسبب تضييع الدين كلا أو بعضا.
٣ ـ مرد التفرق في الدين إلى الحسد والبغى بين الناس ، فلو لم يحسد بعضهم بعضا ولم يبغ بعضهم على بعض لما تفرقوا فى دين الله ولأقاموه متجمعين فيه.
__________________
(١) قال قتادة كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وضاق بها إبليس وجنوده فأبى الله عزوجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها.
(٢) قال ابن عباس يعني قريشا وهو صحيح إذ كانوا يقولون : لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين. وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم إلا أن دخول أهل الكتاب في هذا الخطاب وارد وله شواهد. إذ الآية مبينة لسنة من سنن الله تعالى وهي كون الأمة متحدة على الباطل فإذا جاءها الحق قبله أناس ورفضه آخرون فيكون التفرق.
(٣) أي في تأخير العذاب على مستحقيه إلى الموعد الذي حدده لهم في الدنيا أو في الآخرة لكان عزوجل حكم بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين.
(٤) ال في الكتاب للجنس ليشمل التوراة والإنجيل معا.