(أُنِيبُ) : توكلت أي فوضت أمرى إليه ، وإليه لا إلى غيره أرجع فى أمورى كلها.
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق.
(جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) : أي بأن جعلكم ذكرا وأنثى ، ومن الأنعام كذلك.
(يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) : أي يخلقكم فى هذا التدبير وهو من الذكر والانثى يخرجكم.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) : أي ليس مثل الله شيء إذ هو الخالق لكل شيء فلا يكون مخلوق مثله بحال من الأحوال.
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) : أي السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم.
معنى الآيات :
يقول تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ (١) فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) من أمور الدين والدنيا أيها الناس فحكمه إلى الله تعالى هو الذي يحكم فيه بالعدل فردوه إليه سبحانه وتعالى فإنه يقضى بينكم بالحق. وهنا أمر رسوله أن يقول للمشركين ذلكم المذكور بصفات الجلال والكمال الحكم العدل الذى يقضى ولا يقضى عليه الله ربي الذى ليس لى رب سواه عليه توكلت ففوضت أمرى إليه واثقا فى كفايته وإليه وحده أنيب أي أرجع فى أمورى كلها ، ثم واصل ذكر صفاته الفعلية فقال (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى خالق السموات السبع والأرض مبدعهما من غير مثال سابق (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (٢) أَزْواجاً) إذ خلق حواء من ضلع آدم ثم جعلكم تتناسلون من ذكر وانثى ومن الأنعام ازواجا أيضا وهما الذكر والأنثى وقوله (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي (٣) يخلقكم فيه أي في هذا النظام نظام الذكر والأنثى كأن الذكورة والأنوثة معمل من المعامل يتم فيه خلق الإنسان والحيوان فسبحان الخلاق العليم.
وقوله : (لَيْسَ (٤) كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٥) هذا تعريف عرف تعالى به نفسه ليعرف بين عباده وهو أنه عزوجل ليس مثله شيء أي فلا شيء مثله فعرف بالتفرد بالوحدانية فالذي ليس له
__________________
(١) قول القرطبي هذا حكاية قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم للمؤمنين ما هو بظاهر ، بل هو إرشاد الله لرسوله والمؤمنين أن يقولوا لمن خالفهم من المشركين وأهل الكتاب إن الله قد حكم بصحة الإسلام فهو الدين الذي يجب أن يدين به الإنسان لربه عزوجل لا غيره من الأديان الباطلة.
(٢) الجملة في موضع نصب على الحال من ضمير فاطر.
(٣) الذرء : بث الخلق وتكثيره والمضارع يذرؤكم لإفادة الحدوث والتجدد المستمرين.
(٤) ومعنى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) : ليس مثله شيء فالكاف مقحمة لا غير ، ولما كانت للتشبيه ومثله كذلك فهي إذا لتأكيد نفي الشبيه لله تعالى.
(٥) لما كانت جملة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) صفة سلبية أعقب عليها بصفات ايجابية وهي كونه تعالى سميعا بصيرا ، وهكذا الحكم في صفات الله تعالى فيثبت له ما أثبته هو لنفسه وأثبته له رسوله من الصفات العلى وينفى عنه من صفات النقص كالمثلية والتشبيه ما نفاه تعالى هو عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلىاللهعليهوسلم.