وهذا معنى من خلفه ، كما أنه ليس قبله كتاب ينتقصه ، ولا بعده كتاب ينسخه ، فهو كله حق وصدق ليس فيه ما لا يطابق الواقع.
معنى الآيات :
يتوعد الجبار عزوجل الذين يلحدون في آيات كتابه بالتحريف والتبديل والتغيير بأنهم لا يخفون عليه ، وأنه سينزل بهم نقمته إن لم يكفوا عن إلحادهم.
وقوله : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) إذا كان لا يوجد عاقل يقول الذي يلقى في النار خير ممن يأتي آمنا يوم القيامة فالإلقاء في النار سببه الكفر والإلحاد والباطل فليترك هذه من أراد النجاة من النار ، والأمن يوم القيامة من كل خوف من النار وغيرها سببه الإيمان والتوحيد فليؤمن ويوحد الله تعالى في عبادته ولا يلحد في آياته من أراد الأمن يوم القيامة بعلمه انه خير من الإلقاء في النار. هذا أسلوب في الدعوة عجيب انفرد به القرآن الكريم.
وقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ (١) إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ (٢) بَصِيرٌ) هذا الكلام يقال للمستهترين بالأحكام الشرعية المستخفين بها فهو تهديد لهم وليس إذنا وإباحة لهم أن يفعلوا ما شاءوا من الباطل والشرك والشر ، ويدل على التهديد قوله بعد إنه بما تعملون بصير.
ومثله قوله (إِنَّ الَّذِينَ (٣) كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) أي القرآن ، (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) (٤) أي منيع بعيد المنال (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَلا مِنْ خَلْفِهِ) بالزيادة والنقصان أو التبديل والتغيير.
ولما كان المراد من هذا الكلام التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من أن يذكر والعبارة قد تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له. وقد يقدر لنفعلن بهم كذا وكذا ...
وقوله تنزيل من حكيم حميد أي القرآن المنيع كما له وشرفه ومناعته أتته أنه تنزيل من حكيم في أفعاله وسائر تصرفاته حميد بذلك وبغيره من فواضله وآلائه ونعمه.
__________________
(١) الأمر هنا ليس للإباحة وإنما هو للتهديد كما في التفسير.
(٢) قوله (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الجملة تعليلية متضمنة الوعيد والتهديد فهي مؤكدة لما تضمنه قوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) من التهديد.
(٣) الخبر مقدر تقديره : هالكون أو معذبون وما ذكر في التفسير في تقدير الخبر حسن.
(٤) معنى عزيز ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله.